التّفسير
إن تنصروا الله ينصركم:
تستمر هذه الآيات في ترغيب المؤمنين في جهاد أعداء الحق، وهي ترغّبهم في الجهاد بتعبير رائع بليغ، فتقول: (يا أيّها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم).
إنّ التأكيد على مسألة "الإيمان" إشارة إلى أنّ إحدى علامات الإيمان الحقيقي هو جهاد أعداء الحق.
وعبارة (تنصروا الله) تعني - بوضوح - نصرة دينه، ونصرة نبيّه، وشريعته وتعليماته، ولذلك وردت نصرة الله إلى جانب نصرة رسوله في بعض آيات القرآن الكريم، كما نقرأ في الآية (8) من سورة الحشر: (وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون).
ومع أنّ قدرة الله سبحانه غير محدودة، ولا قيمة لقدرة المخلوقات حيال قدرته، غير أنّه يعبّر بنصرة الله ليوضح أهمية الجهاد والدفاع عن دين الله، ولا يوجد تعبير أعظم من هذا لتبيان أهمية هذا الموضوع.
ولنرَ ما هو هذا الوعد الذي وعد الله به المجاهدين إذا ما دافعوا عن دينه؟
يقول أوّلاً (ينصركم) أمّا كيف يتمّ ذلك؟ فإنّ الطرق كثيرة، فهو سبحانه يلقي في قلوبكم نور الإيمان، وفي نفوسكم وأرواحكم التقوى، وفي أرادتكم القوّة والتصميم أكثر، وفي أفكاركم الهدوء والإطمئنان.
ومن جانب آخر يرسل الملائكة لمدكم ونصرتكم، ويغيّر مسار الحوادث لصالحكم، ويجعل أفئدة الناس تهوي إليكم، ويجعل كلماتكم نافذة في القلوب، ويصيّر نشاطاتكم وجهودكم مثمرة.
نعم، إنّ نصرة الله تحيط بالجسم والروح، من الداخل والخارج.
إلاّ أنّه سبحانه يؤكّد على مسألة تثبيت الأقدام من بين كلّ أشكال النصرة، وذلك لأنّ الثبات أمام العدو أهم رمز للإنتصار، وإنّما يكسب الحرب الذين يصمدون ويستقيمون أكثر، ولذلك نقرأ في قصة محاربة طالوت - القائد العظيم لبني إسرائيل - لجالوت - المتسلّط الجائر القوي - أنّ المؤمنين القليلين الذين كانوا معه عندما واجهوا جيش العدو الجرار، قالوا: (ربّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين).
ونقرأ في الآية التي بعدها: (فهزموهم بإذن الله).
أجل، إنّ نتيجة ثبات القدم هي النصر المؤزّر على العدو.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ﴾ أي دينه ورسوله ﴿يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ في مواقف الحرب والقيام بأمر الدين.