ولمّا كان القرآن الكريم في كثير من الموارد يعرض للظالمين العاصين نماذج محسوسة، فقد دعاهم هنا أيضاً إلى التدبّر في أحوال الماضين، فقال: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمّر الله عليهم) ؟
ومن أجل أن لا يظنّ هؤلاء أنّ ذلك المصير المشؤوم كان مختصّاً بالأقوام الطاغين الماضين، فقد أضافت الآية: (وللكافرين أمثالها) (4).
فلا يظنّوا أنّهم في منأى من العقاب المشابه لذلك العقاب إن هم عملوا أعمالاً تشابه أعمال الماضين، فليسيروا في الأرض ولينظروا آثار الذين من قبلهم، ثمّ لينظروا مستقبلهم من خلال سنن التأريخ.
والجدير بالإنتباه أنّ (دمّر) من مادة (تدمير)، وهي من الأصل بمعنى الإهلاك والإفناء، أمّا إذا أتت مع (على) فإنّها تعني إهلاك كلّ شيء حتى الأولاد والأهل والعشيرة والأموال الخاصّة بالإنسان (5).
وعلى هذا فإنّ هذا التعبير بيان لمصيبة أليمة، خاصة بملاحظة لفظ (على) الذي يستعمل عادةً في مورد التسلط، وبذلك يصبح معنى الجملة، إنّ الله عزَّ وجلَّ قد صبَّ عذابه على رؤوس هؤلاء الأقوام وأموالهم وكلّ ما يتعلّق بهم فأفناها جميعاً.
وقد بحثنا موضوع "السير في الأرض" - والذي يؤكّد عليه القرآن المجيد مراراً كبرنامج توعية مؤثر - بصورة مفصّلة في ذيل الآية (137) من سورة آل عمران، والآية (45) من سورة الروم.
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أهلكهم وأهلهم وأموالهم ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ وضع موضع الضمير إيذانا بالعلة ﴿أَمْثَالُهَا﴾ أمثال عاقبة من قبلهم أو عقوبتهم المفهومة من التدمير.