وتحذّر الآية التالية أُولئك المستهزئين الذين لا إيمان لهم، فتقول: (فهل ينظرون إلاّ ساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنّى لهم إذا جاءتهم ذكراهم).
أجل، إنّ هؤلاء لم يذعنوا للحق حيث كان الإيمان واجباً عليهم، ومفيداً لهم، بل كانوا في طغيانهم يعمهون، وبآيات الله يستهزئون، غير أنّهم يوم يرون الحوادث المرعبة وبداية القيامة تهزّ العالم وتزلزله، يصيبهم الفزع ويظهرون خضوعهم ويؤمنون، ولا ينفعهم يومئذ إيمانهم وخضوعهم.
إنّ هذه العبارة تشبه تماماً أن نقول لإنسان: أتنتظر حتى يشرف بك مرضك على الموت، ولا ينفع حينئذ علاج، ثمّ تدعو الطبيب وتأتي بالدواء؟ انهض واسرع إلى المعالجة وتناول الدواء قبل أن تفقد هذه الفرصة، فإنّ السعي الآن ذو فائدة، وبعد اليوم لا ينفع.
"الأشراط" جمع (شَرَط)، وهي العلامة، وعلى هذا فإنّ أشراط الساعة إشارة إلى علامات اقتراب القيامة.
وللمفسرين أقوال كثيرة حول المراد من علامات اقتراب القيامة هنا، حتى كتبت رسائل مختصرة ومفصّلة، في هذا الباب.
إلاّ أنّ الكثير يعتقدون أنّ المراد من "أشراط الساعة" في الآية - مورد البحث - هو ظهور شخص النّبي الأكرم (ص)، ويشهد لذلك الحديث المروي عنه (ص) أنّه قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وضمّ إصبعيه السبابة والوسطى (1).
وعدّ البعض مسألة "شقّ القمر"، وقسماً آخر من حوادث عصر النّبي (ص) من أشراط الساعة أيضاً.
لقد وردت أحاديث عديدة في هذا الباب، وقد اعتبرت شيوع كثير من المعاصي بين الناس بالذات من علامات اقتراب القيامة، كالحديث الذي يرويه "الفتال النيسابوري" (ره) في روضة الواعظين، عن النّبي (ص) أنّه قال: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزنا" (2).
بل، حتى الحوادث المهمّة والمؤثرة، كقيام المهدي - أرواحنا له الفداء - عدّت من أشراط الساعة.
لكن ينبغي أن نذكر أنّنا نبحث تارةً في أشراط الساعة بصورة مطلقة، فنسأل: ما هي علامات اقتراب القيامة؟ وأُخرى نبحث في مورد خصوص الآية.
والمطلب في مورد الآية هو ما قلناه.
وأمّا حول علامات اقتراب القيامة بصورة مطلقة فقد وردت بحوث وروايات كثيرة في الكتب الإسلامية المعروفة، وسنشير إليها فيما يأتي (3).
هل أنّ ظهور النّبي من علامات قرب القيامة؟
يطرح هنا سؤال، وهو: كيف عدوا ظهور النّبي (ص) من علامات اقتراب القيامة، وقد مرّ إلى الآن خمسة عشر قرناً ولا أثر للقيامة؟
والإجابة عن هذا السؤال تتّضح بملاحظة واحدة، وهي أنّنا يجب أن نقارن بين ما مرّ من الدنيا وما بقي منها، وسيظهر من خلال هذه المقارنة أن ما بقي من عمر الدنيا قليل جداً، وهو سريع الإنقضاء، كما ورد في حديث عن النّبي الأكرم (ص)، أنّه كان يخطب في أصحابه قبيل الغروب، فقال: "والذي نفس محمّد بيده ما مثل ما مضى من الدنيا فيما بقي منها إلاّ مثل ما مضى من يومكم هذا فيما بقي منه، وما بقي منه إلاّ اليسير" (4).
﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ﴾ ما ينتظرون ﴿إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا﴾ علاماتها كمبعث النبي وانشقاق القمر والدخان ﴿فَأَنَّى﴾ فمن أين ﴿لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ﴾ الساعة ﴿ذِكْرَاهُمْ﴾ تذكرهم أي لا ينفعهم حينئذ.