لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتقول آخر آية من هذه الآيات وكاستخلاص لنتيجة البحوث التي وردت في الآيات السابقة حول الإيمان والكفر، ومصير المؤمنين والكفّار: (فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله) أي: اثبت على خط التوحيد، فإنّه الدواء الشافي، واعلم أنّ أفضل وسيلة للنجاة هو التوحيد الذي بيّنت الآيات السالفة آثاره. وبناءً على هذا، فلا يعني هذا الكلام أنّ النّبي (ص) لم يكن عالماً بالتوحيد بل المراد الإستمرار في هذا الخط، وهذا يشبه تماماً ما ذكروه في تفسير الآية: (إهدنا الصراط المستقيم) في سورة الحمد، بأنّها لا تعني عدم الهداية من قبل، بل تعني: ثبّتنا على خط الهداية. ويحتمل أيضاً أن يكون المراد التدبّر في أمر التوحيد أكثر، والإرتقاء إلى المقامات الأسمى، حيث أنّه كلمّا تدبّر البشر فيه أكثر، وطالعوا آيات الله بدقّة أكبر، فإنّهم سيصلون إلى مراتب أرقى، والتدبّر بما قيل في الآيات السالفة في مورد الإيمان والكفر، عامل يؤثر بحدِّ ذاته في زيادة الإيمان والكفر. والتّفسير الثّالث أنّ المراد: الجوانب العملية للتوحيد، أي: اعلم أنّ الملجأ والمأوى الوحيد في العالم هو الله تعالى، فالتجئ إليه، ولا تطلب حل معضلاتك إلاّ منه، ولا تخف سيل المشاكل، ولا تخشَ كثرة الأعداء. ولا تنافي بين هذه التفاسير الثلاثة، فمن الممكن أن تجمع في معنى الآية. وبعد هذه المسألة العقائدية، تعود الآية إلى مسألة التقوى والعفّة عن المعصية، فتقول: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات). لا يخفى أنّ النّبي (ص) لم يرتكب ذنباً قط بحكم مقام العصمة، وأمثال هذه التعابير إشارة إلى ترك الأولى، فإنّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، أو إلى أنّه قدوة للمسلمين. وجاء في حديث: أنّ حذيفة بن اليمان يقول: كنت رجلاً ذرب اللسان على أهلي، فقلت: يا رسول الله إنّي لأخشى أن يدخلني لساني في النّار، فقال (ص): "فأين أنت من الإستغفار؟ إنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة" (5). وجاء في بعض الروايات أنّه كان يستغفر في اليوم سبعين مرّة. إذا كان الآخرون يستغفرون ممّا ارتكبوا من المعاصي والذنوب، فإنّ النّبي الأكرم (ص) يستغفر الله من تلك اللحظة التي شغل فيها عن ذكره، أو أنّه ترك فعل الأحسن وفعل الحسن. وهنا نكتة جديرة بالإنتباه، وهي أنّ الله سبحانه قد شفع للمؤمنين والمؤمنات، وأمر نبيّه (ص) أن يستغفر لهم لتسعهم رحمته، ومن هنا يتبيّن عمق مسألة "الشفاعة" في الدنيا والآخرة، وكذلك تتبيّن أهمية التوسّل وكونه مشروعاً. ويقول سبحانه في ذيل الآية، وكتبيان للعلّة (والله يعلم متقلّبكم ومثواكم) فهو يعلم ظاهركم وباطنكم، كتمانكم وعلانيتكم، سرّكم ونجواكم، بل ويعلم حتى نيّاتكم، وما توسوس به أنفسكم، ويخطر على أذهانكم، وما يجري في ضمائركم، ويعلم حركاتكم وسكناتكم، ولهذا وجب عليكم التوجّه إليه ورفع الأكف بين يديهو وطلب العفو والمغفرة والرحمة منه. "المتقلّب": هو المكان الذي يكثر التردّد عليه، و"المثوى" هو محل الإستقرار (6). والظاهر أنّ لهاتين الكلمتين معنى واسعاً يشمل كلّ حركات ابن آدم وسكناته، سواء التي في الدنيا أم في الآخرة، في فترة كونه جنيناً أم كونه من سكان القبور، وإن كان كثير من المفسّرين قد ذكر لهما معاني محددة: فقال بعضهم: إنّ المراد حركة الإنسان في النهار، وسكونه في الليل. وقال آخرون: إنّ المراد مسير الإنسان في الحياة الدنيا، واستقراره في الآخرة. وقال بعض آخر: إنّ المراد تقلّب الإنسان في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، وثباته في القبر. وأخيراً ذكر البعض أنّ المراد: حركاته في السفر، وسكناته في الحضر. ولكن كما قلنا، فإنّ للآية معنى واسعاً يشمل كلّ هذه المعاني. بحث ما هي أشراط الساعة؟ قلنا سابقاً: إنّ الأشراط جمع شرط، وهي العلامة، ويقال لعلامات اقتراب القيامة: أشراط الساعة، وقد بحثت كثيراً في مصادر الشيعة والسنّة، ولم يشر القرآن إليها إلاّ في هذه الآية. ومن أجمع الأحاديث وأكثرها تفصيلاً في هذا الباب، الحديث الذي رواه ابن عباس عن النّبي الأكرم (ص) في قضية حجّة الوداع، وهو يعلّمنا كثيراً من المسائل، ويحتوي على نكات ودقائق كثيرة، ولهذا نورده كاملاً: قال ابن عباس: حججنا مع رسول الله (ص) حجّة الوداع وهي آخر حجّة حجّها رسول الله (ص) في حياته - فأخذ بحلقة باب الكعبة ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: "ألا أخبركم بأشراط الساعة"؟ فكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رحمة الله عليه فقال: بلى يا رسول الله. قال (ص): "إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل مع الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذاب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: إنّ عندها يليهم أمراء جورة، ووزراء فسقة، وعرفاء ظلمة، وأمناء خونة". فقال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده - يا سلمان: إنّ عندها يكون المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، ويؤتمن الخائن، ويخوَّن الأمين، ويصدّق الكاذب، ويكذّب الصادق". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: فعندها تكون إمارة النساء، ومشاورة الإماء، وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفاً، والزكاة مغرماً، والفيء مغنماً، ويجفو الرجل والديه ويبرّ صديقه، ويطلع الكوكب المذنب". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة (ويبذل كل منهما قصارى جهد خارج المنزل لتحصيل المال) ويكون المطر غيضاً، ويغيض الكرام غيضاً، ويحتقر الرجل المعسر، فعندها تقارب الأسواق، قال هذا: لم أبع شيئاً، وقال هذا: لم أربح شيئاً، فلا ترى إلاّ ذاماً لله". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: فعندها يليهم أقوام إن تكلّموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم، ليستأثرون بفيئهم، وليطؤن حرمتهم، وليسفكن دماءهم، وليملؤن قلوبهم دغلاً ورعباً، فلا تراهم إلاّ وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين". فقال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: إنّ عندها يؤتى بشيء من المشرق، وشيء من المغرب (فقوانين من الشرق، وقوانين من الغرب) يلون أمّتي، فالويل لضعفاء أمّتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً، ولا يوقّرون كبيراً، ولا يتجافون عن مسيء، جثّتهم جثة الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: وعندها يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وتركب ذوات الفروج السروج (ويظهرن أنفسهن)فعليهن من أمّتي لعنة الله". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: إنّ عندها تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس وتحلى المصاحف (دون أن يعمل بها) وتطول المنارات، وتكثر الصفوف، قلوب متباغضة، وألسن مختلفة". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: وعندها تحلّى ذكور أمّتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج، ويتّخذون جلود النمور صفافاً". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: وعندها يظهر الزنا، ويتعاملون بالعينة والرشا، ويوضع الدين وترفع الدنيا". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: وعندها يكثر الطلاق، فلا يقام لله حد، ولن يضرّوا الله شيئاً (وإنّما يضرّون أنفسهم)". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: وعندها تظهر القينات والمعازف، وتليهم أشرار أُمّتي". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: وعندها يحج أغنياء أمّتي للنزهة، ويحج أوساطها للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير الله، ويتّخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقّهون لغير الله، ويكثر أولاد الزنا، ويتغنّون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وسلّط الأشرار على الأخيار، ويفشو الكذب، وتظهر اللجاجة، وتفشو الفاقة، ويتباهون في اللباس، ويمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلّ من الأمة، ويظهر قرّاؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاوم، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: فعندها لا يخشى الغني على الفقير، حتى أنّ السائل يسأل في الناس فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في كفه شيئاً". قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "إي والذي نفسي بيده. يا سلمان: فعندها يتكلم الرويبضة". قال سلمان: ما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي وأمّي؟ قال: "يتكلّم في أمر العامة من لم يكن يتكلّم، فلم يلبثوا إلاّ قليلاً حتى تخور الأرض خورة، فلا يظن كلّ قوم إلاّ أنّها خارت في ناحيتهم، فيمكثون ما شاء الله، ثمّ يمكثون في مكثهم، فتلقي لهم الأرض أفلاذ أكبادها" قال: "ذهباً وفضة"، ثمّ أومأ بيده إلى الأساطين، فقال: مثل هذا، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة - ويحل أمر الله - فهذا يعني معنى قوله: (فقد جاء أشراطها) (7). ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ من ترك الأولى ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ منتشركم بالنهار ومستقركم بالليل أو متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة أي هو عالم بجميع أحوالكم فاحذروه.