لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتناول آخر آية من هذه الآيات ذكر العلة الحقيقية لإنحراف هؤلاء القوم التعساء، فقالت: (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها) ؟ نعم، إنّ عامل مسكنة هؤلاء وضياعهم أحد اثنين: إمّا أنّهم لا يتدبّرون في القرآن، برنامج الهداية الإلهية، والوصفة الطبية الشافية تماماً، أو أنّهم يتدبّرونه، إلاّ أنّ قلوبهم مقفلة نتيجة اتباع الهوى والأعمال التي قاموا بها من قبل، وهي مقفلة بشكل لا تنفذ معه أي حقيقة إلى قلوبهم. وبتعبير آخر، فإنّهم كرجل ضلّ طريقه في الظلمات، فلا سراج في يده، ولا هو يبصر إذ هو أعمى، فلو كان معه سراج، وكان مبصراً، فإنّ الإهتداء إلى الطريق في أي مكان سهل ويسير. "الأقفال" جمع قفل، وهي في الأصل من مادة القفول أي الرجوع، أو من القفيل، أي الأشياء اليابسة، ولمّا كان المتعارف أنّهم إذا أغلقوا الباب وقفلوها بقفل، فكلّ من يأت يقفل راجعاً، وكذلك لمّا كان القفل شيئاً صلباً لا ينفذ فيه شيء، لذا فقد أطلقت هذه الكلمة على هذه الآلة الخاصة. بحث القرآن كتاب فكر وعمل: تؤكّد آيات القرآن المختلفة على حقيقة أنّ هذا الكتاب السماوي العظيم ليس للتلاوة وحسب، بل إنّ الهدف النهائي منه هو الذكر، والتدبّر في عواقب الأُمور، والإنذار، وإخراج البشر من الظلمات، والشفاء والرحمة والهداية. فنقرأ في الآية (50) من سورة الأنبياء: (وهذا ذكر مبارك أنزلناه). وفي الآية (29) من سورة ص: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبّروا آياته). وجاء في الآية (19) من سورة الأنعام: (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ). وتقول الآية الأولى من سورة إبراهيم: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور). وأخيراً، جاء في الآية (82) من سورة الإسراء: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين). ولهذا، فإنّ القرآن الكريم يجب أن يأخذ مكانه من حياة المسلمين، ويكون في صميمها لا على هامشها، وعليهم أن يجعلوه قدوتهم وأسوتهم، وأن ينفذوا كلّ أوامره، وأن يجعلوا خطوط حياتهم وطبيعتها منسجمة معه. لكنّ، جماعة من المسلمين - مع الأسف الشديد - لا يتعاملون مع القرآن إلاّ على أنّه مجموعة أوراد وأذكار، فهم يتلونه جميعاً تلاوةً مجرّدة، ويهتمون أشدّ الإهتمام بالتجويد ومخارج الحروف وحسن الصوت، وأكثر شقاء المسلمين وتعاستهم يكمن في أنّهم أخرجوا القرآن عن كونه دستوراً جامعاً لحياة البشر، واكتفوا بترديد ألفاظه، وقنعوا بذلك. والجدير بالإنتباه أنّ الآيات مورد البحث تقول بصراحة: إنّ هؤلاء المنافقين المرضى القلوب لم يتدبّروا في القرآن، فلاقوا هذا المصير الأسود. "التدبّر" من مادة دَبْر، وهو تحقيق وبحث نتائج الشيء وعواقبه، بعكس "التفكر" الذي يقال غالباً عن علل الشيء وأسبابه، واستعمل كلا التعبيرين في القرآن. لكن، ينبغي أن لا ننسى أنّ الإستفادة من القرآن تحتاج إلى نوع من تهذيب النفس وجهادها، وإن كان القرآن بنفسه معيناً في تهذيبها، لأنّ القلوب إذا كانت مقفلة بأقفال الهوى والشهوة، والكبر والغرور، واللجاجة والتعصّب، فسوف لا يلجها نور الحق، وقد أشارت الآيات - مورد البحث - إلى هذا المعنى. وما أروع كلام أمير المؤمنين علي (ع) في خطبته حول صفات المتّقين، إذ يقول: "أمّا الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلاً، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم" (10). حديث عن الإمام الصادق (ع): ورد عن الإمام الصادق (ع) في تفسير جملة: (أم على قلوب أقفالها): "إنّ لك قلباً ومسامع، وإنّ الله إذا أراد أن يهدي عبداً فتح مسامع قلبه، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه فلا يصلح أبداً، وهو قول الله عزَّ وجلّ: (أم على قلوب أقفالها) " (11). ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ بالتفكر في زواجره ومواعيده فيعتبروا ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ فلا يدخلها معانيه وتنكير القلوب لتعم قلوب أمثالهم أضيفت الأقفال إليها إرادة لأقفال مختصة بها.