لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير نزول السكينة على قلوب المؤمنين: ما قرأناه في الآيات السابقة هو ما أعطاه الله من مواهب عظيمة لنبيّ الإسلام (ص) بالفتح المبين "صلح الحديبية"، أمّا في الآية أعلاه فالكلام عن الموهبة العظيمة التي تلطف الله بها على جميع المؤمنين إذ تقول الآية: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم). ولمَ لا تنزل السكينة والإطمئنان على قلوب المؤمنين؟ (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً). ماذا كانت هذه السكينة؟! من الضروري هنا أن نعود إلى قصة "صلح الحديبيّة" وأن نتصوّر أنفسنا في فضاء الحديبيّة وفي جوّها لنطّلع على عمق هذه الآية. لقد كان النّبي (ص) قد رأى رؤيا "رحمانية وإلهية" أنّه دخل المسجد الحرام مع أصحابه، وعلى أثر رؤياه تحرّك نحو زيارة بيت الله مع أصحابه وكان أغلب أصحابه يتوّقّعون أنّ هذه الرؤيا الصالحة سيتحقّق تعبيرها في هذا السفر نفسه، لكنّ الذي قدّره الله كان شيئاً آخر! هذا كلّه من جانب. ومن جانب آخر كان المسلمون قد أحرموا وجاءوا بالإبل ليهدوها أو ينحروها، ولكنّهم وعلى خلاف ما توقّعوا لم يوفّقوا لزيارة بيت الله، وأمر النّبي أن ينحروا الإبل في الحديبيّة التي توقّفوا فيها هناك. وأن يحلّوا من إحرامهم، وكان ذلك أمراً صعباً عليهم ولا يمكن تصديقُه، لأنّ آدابهم وسننهم وتعليمات الإسلام أيضاً تنصّ على عدم الخروج والإحلال من الإحرام ما لم يتمَّ أداء المنَاسك الخاصة بالعمرة. ومن جانب ثالث كان من مواد معاهدة الصلح في الحديبية، مادة تقضي بإعادة المسلمين من يلجأ إليهم من قريش ويعلن إسلامه ويدخل المدينة! ولا يلزم العكس، وكان هذا الموضوع صعباً على المسلمين للغاية. ومن جانب رابع، فإنّ قريشاً لم ترغبْ أن تكتب كلمة "رسول الله" التي كان يدعى بها النّبي محمّد وأصرّ ممثلها سهيل بن عمرو على حذف الكلمة من معاهدة الصلح، ولم يوافق حتى على كتابة بسم الله الرحمن الرحيم، وأصرّ أن يكتب مكانها "بسمك اللّهمَّ"، التي كانت تنسجم مع سنّة أهل مكّة، فهذه الأُمور كلّ واحد منها كان غير مرغوب فيه، فكيف بجميعها؟ ولذلك تزلزلت قلوب بعض ضعاف الإيمان من أصحاب النّبي إلى درجة أنّه حين نزلت سورة (إنّا فتحنا) قالوا أي فتح هذا؟! هنا ينبغي أن يشمل لطف الله حال المسلمين وأن يُنزل عليهم السكينة والإطمئنان وأن لا يوجد في قلوبهم الضعف والفتور فحسب، بل (ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) وتنطبق مصداقية الآية عليهم، فإنّ الآية نزلت في مثل هذه الظروف. "السكينة" في الأصل مشتقة من "السكون"، ومعناها الأطمئنان والدعة وما يزيل كل أنواع الشك والتردّد والوحشة من الإنسان ويجعله ثابت القدم في طوفان الحوادث! وهذه السكينة يمكن أن يكون لها جانب عقائدي فيزيلُ ضعف تزلزل العقيدة أو يكون لها جانب عملي بحيث يهب الإنسان ثبات القدم والمقاومة والاستقامة والصبر. وبالطبع فإنّ البحوث السابقة وتعبيرات الآية نفسها تتناسب مع استعمال السكينة في معناها الأوّل أكثر. في حين أنّها في الآية (248) من سورة البقرة في قصة "طالوت وجالوت" تعوّل على الأسس العملية أكثر! وقد ذكر جماعة من المفسّرين معاني أُخرَ للسكينة وترجع في نهايتها إلى هذا التّفسير أيضاً. الطريف أنّ "السكينة" في بعض الرّوايات فسّرت بالإيمان (1) كما فُسّرت في بعضها بنسيم الجنّة الذي يبدو في هيئة الإنسان ويمنح المؤمنين الإطمئنان (2)! وكل هذه التفاسير تأييد لما قلناه، لأنّ السكينة وليدة الإيمان، وهي تهب الإطمئنان كنسيم الجنّة! وينبغي الإلتفات أيضاً إلى هذه اللطيفة في شأن السكينة، إذ عُبّر عنها بالإنزال (هو الذي أنزل السكينة) ونعلم أنّ هذا التعبير في القرآن قد يعني الخلق والإيجاد وإيلاء النعمة أحياناً... وحيث أنّها من عال إلى دان فقد ورد في شأنها التعبير بالإنزال!. ملاحظات 1 - السكينة التي لا نظير لها! إذا لم يكن للإيمان أية ثمرة سوى مسألة السكينة لكان على الإنسان أن يتقبَّله! فكيف به وهو يرى آثاره وثمراته وبركاته!. والتحقيق في حال المؤمنين وحال غير المؤمنين يكشف هذه الحقيقة، وهي أنّ الفئة الثّانية يعانون حالة الاضطراب والقلق الدائم، في حين أنّ الجماعة الأولى في اطمئنان خاطر عديم النظير... وفي ظل الإطمئنان، فإنّهم (لا يخشون أحداً إلاّ الله) (3). كما أنّهم في مواصلة نهجهم لا يؤثر اللوم والتهديد فيهم أبداً (ولا يخافون لومة لائم) (4). وهم يتمسّكون بأصلين مهمّين في حفظ هذه السكينة، وهما: عدم الحزن على ما فاتهم، وعدم التعلّق والفرح بما لديهم، فهم مصداق لقوله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) (5). وأخيراً فإنّهم لا يضعفوا أبداً أمام الشدائد، ولا يركعوا مقابل الأعداء ويتحلّون بشعار (ولا تهنو ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (6). إنّ المؤمن لا يرى نفسه وحيداً في ميدان الخطوب والحوداث بل يحسّ بيد الله على رأسه ويلمس إعانة الملائكة ونصرتهم له، في حين أنّ غير المؤمنين يحكمهم الإضطراب في أحاديثهم وسلوكهم ولا سيما عند هبوب العواصف وطوفان الأحداث إذ يُرى كلّ ذلك منهم بصورة بيّنة! 2 - سلسلة مراتب الإيمان: الإيمان، سواءً بمعنى العلم والمعرفة، أم روح التسليم والاذعان للحق فإنّ له درجات وسلسلة مراتب، لأنّ العلم له درجات، والتسليم والاذعان لهما درجات مختلفة أيضاً، حتى العشق والحب الذي هو توأم الإيمان يتفاوت من حالة إلى أُخرى! فالآية محل البحث التي تقول: (ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) تأكيد على هذه الحقيقة أيضاً... وعلى هذا فلا ينبغي للمؤمن أن يتوقّف في مرحلة واحدة من مراحل الإيمان، بل عليه أن يتسامى إلى درجاته العليا عن طريق بناء شخصيّته والعلم والعمل. ففي حديث عن الإمام الصادق أنّه قال: "إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة" (7). كما نقرأ عنه حديثاً آخر إذ قال: "إنّ الله عزَّ وجلَّ وضع الإيمان على سبعة أسهم على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم فمن جعل فيه السبعة الأسهم فهو كامل محتمِلٌ وقسّم لبعض الناس السهم والسهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهوا إلى (الـ) سبعة". ثمّ يضيف الإمامُ (ع): "لا تحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلاثة فَتبهضوهم"... ثمّ قال كذلك حتى انتهى إلى (الـ) سبعة (8). ومن هنا يتّضح ما نُقل عن بعضهم أنّ الإيمان ليس فيه زيادة ولا نقصان لا أساس له، لأنّه لا ينسجم مع الثوابت العلميّة ولا مع الرّوايات الإسلامية!. 3 - ركني السكينة: قرأنا في ذيل الآية محل البحث جملتين، كلٌّ منهما تمثّل ركناً من أركان "السكينة" والإطمئنان للمؤمنين. فالأُولى جملة (ولله جنود السماوات والأرض). والأُخرى جملة (وكان الله عليماً حكيماً). فالأُولى تقول للإنسان: إذا كنت مع الله فإنّ جميع ما في الأرض والسماء معك!. والأُخرى تقول: إنّ الله يعلم حاجاتك ومشاكلك كما يعلم سعيك وطاعتك وعبادتك. ومع الإيمان بهذين "الأصلين" كيف يمكن أن لا يحكم الإطمئنان وسكينة القلب وجود الإنسان! ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ﴾ الطمأنينة ﴿فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا﴾ بالشرائع التي تنزل على الرسول ﴿مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ أو ليزدادوا يقينا مع يقينهم ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الملائكة والثقلين ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا﴾ بخلقه ﴿حَكِيمًا﴾ في تدبيرهم.