التّفسير
نتيجة أُخرى من الفتح المُبين:
نقل جماعة من مفسّري الشيعة وأهل السنّة أنّه حين بشّر النّبي (ص) "بالفتح المبين" و"إتمام النعمة" و"الهداية" و"النصرة"... قال بعض المسلمين ممّن كان مستاءً من صلح الحديبيّة: هنيئاً لك يا رسول الله! لقد بيّن لك الله ماذا يفعل بك! فماذ يفعل بنا فنزلت الآية (ليُدخل المؤمنين والمؤمنات) (1).
وعلى كلّ حال، فإنّ هذه الآيات تتحدّث عن علاقة صلح الحديبيّة وآثاره وردّ الفعل المختلف في أفكار الناس ونتائجه المثمرة، وكذلك عاقبة كلّ من الفريقين اللذينِ أُمتحنا في هذه "البوتقة" والمختبر - فتقول الآية الأولى من هذه الآيات محل البحث (ليُدخل المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها).
فلا تُسلب هذه النعمة الكبرى عنهم أبداً... وإضافة إلى ذلك فإنّ الله يعفو عنهم (ويكفّر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً) (2).
وبهذا فإنّ الله قد وهب المؤمنين بإزاء ما وهب لنبيّه في فتحه المبين من المواهب الأربعة موهبتين عُظُمَييْن هما "الجنّة خالدين فيها" و"التكفيرُ عن سيّئاتهم" بالإضافة إلى إنزال السكينة على قلوبهم ومجموع هذه المواهب الثلاث يعدّ فوزاً عظيماً لأولئك الذين خرجوا من الامتحان بنجاح وسلامة!.
وكلمة "الفوز" التي توصف في القرآن غالباً بـ "العظيم" وأحياناً توصف بـ"المبين" أو "الكبير" بناءً على ما يقول "الراغب" في "مفرداته" معناها الانتصار ونيل الخيرات المقرون بالسلامة، وذلك في صورة ما لو كان فيه النجاة في الآخرة وإن اقترن مع زوال بعض المواهب الدنيوية.
وطبقاً للرواية المعروفة عن أمير المؤمنين علي (ع) حين ضربه اللعين عبد الرحمن بن ملجم في محراب العبادة بالسيف على أمّ رأسه قال هاتفاً "فزت وربِّ الكعبة" وكأنّه يقول فزت بأنّي أمضيت خَتم صحيفتي بدم رأسي.
أجلْ قد تبلغ الامتحانات الإلهية درجةً أن تضعضع الإيمان الضعيف وتغيّر القلوب، وإنّما يثبت المؤمنين الصادقون الذين تحلّوا بالسكينة والإطمئنان وسينعمون في يوم القيامة بنتائجه، وذلك هو الفوز العظيم حقّاً!.
﴿لِيُدْخِلَ﴾ متعلق بمحذوف أي أمركم بالجهاد أو بفتحنا أو إنزال أو يزدادوا ﴿الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ﴾ حال من ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾.