لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة أُخرى إلى عظمة قدرة الله فتقول الآية: (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً). وقد ورد هذا التعبير مرّةً في ذيل مقامات أهل الإيمان ومواهبهم، ومرّةً هنا في ذيل الآية التي تحكي عن عقاب المنافقين والمشركين... ليتّضح أنّ الله الذي له جنود السماوات والأرض جميعاً قادر على الأمرين، فهو قادرٌ أن تشمل رحمته مستحقيها من عباده الصالحين وناصريه، كما أنّه قادر على أن ينزل غضبه وانتقامه ناراً تحرق المجرمين. وممّا يستلفت النظر أنّ القرآن حين يذكر المؤمنين يصف الله بالعلم والحكمة، وهما يناسبان مقام الرحمة، ولكنّه حين يذكر المنافقين والمشركين يصف الله بالعزة والحكمة، وهما يناسبان العذاب! ما المراد من "جنود السماوات والأرض"؟! هذا التعبير له معنى واسع حيث يشمل الملائكة "وهي من جنود السماء" كما يشمل جنوداً أُخرَ كالصواعق والزلازل والطوفانات والسيول والأمواج والقوى الغيبية غير المرئية التي لا نعرف عنها شيئاً... لأنّ جميع هذه الأشياء هي جنود الله وهي مطيعة لأوامره!. من هم الظانّون بالله ظنّ السوء؟! قد يكون سوء الظن تارةً بالنفس، وقد يكون سوء الظن بالآخرين، كما قد يكون بالله، وبهذا التقسيم وعلى منواله يكون "حسن الظن" أيضاً. أمّا سوء الظن بالنفس إذا لم يبلغ درجة الإفراط فهو سلّم إلى التكامل ويدفع الإنسان إلى التدقيق في أعماله والإخلاص فيها، ويكون حاجزاً عن العجب والغرور منه عند قيامه بالأعمال الصالحة. وبهذا فإنّ الإمام علياً (ع) يصف المتّقين في جوابه لهمّام قائلاً: "فهم لأنفسهم متّهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زُكّي أحد منهم خاف ممّا يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري وربّي أعلم بي منّي بنفسي، اللّهمَّ لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل ممّا يظنّون واغفر لي ما لا يعلمون" (4). وإذا كان سوء الظن بالناس فهو ممنوع إلاّ أن يغلب الفساد في المجتمع حيث لا ينبغي هناك حسن الظن "وسيأتي بيان هذا الموضوع بإذن الله ذيل الآية 12 من سورة الحجرات". أمّا سوء الظن بالله أي سوء الظن بوعده أو رحمته وكرمه الذي لا حدَّ له فهو قبيح ومذموم، وقد يدلّ على ضعف الإيمان وربّما دلّ على عدم الإيمان! ويشير القرآن عدّة مرّات إلى سوء ظنّ ضعافِ الإيمان أو عديمي الإيمان... وخاصةً عند بروز الحوادث الإجتماعية الصعبة وطوفان الإبتلاء والامتحان، وكيف أنّ المؤمنين يبقون ثابتي الأقدام عند هذه الحوادث وهم في كمال حسن الظن والإطمئنان بلطف الله... ولكنّ ضعيفي الإيمان يطلقون لسان الشكوى، كما كان ذلك في قصة الحديبيّة، حيث إنّ المنافقين ومن على شاكلتهم أساءوا الظنّ، وقالوا أنّ محمّداً وأصحابه يمضون في سفرهم هذا ولا يعودون بعده، فكأنّهم نسوا وعود الله أو أنّهم اتهموها. والنموذج الآخر ما حدث في ساحة يوم الأحزاب حين زلزل المسلمون زلزالاً شديداً ووقعوا تحت التأثير والمحنة الصعبة فهناك ذمّ الله المسيئين الظنّ به فقال: (إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) (5). وقد عبّرت الآية (154) من سورة آل عمران عن مثل هذه الظنون بـ "ظنّ الجاهلية". وعلى كلّ حال، فإنّ حسن الظن بالله ورحمته ووعده وكرمه ولطفه وعنايته من علائم الإيمان المهمّة ومن الأسباب المؤثّرة في النجاة والسعادة!. حتى أنّه ورد في بعض أحاديث الرّسول (ص) قوله: "ليس من عبد يظنّ بالله خيراً إلاّ كان عند ظنّه به" (6). كما ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) أنّه قال: "أحسن بالله الظن فإنّ الله عزَّ وجلَّ يقول أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي إن خير فخير وإن شر فشر" (7). وأخيراً فقد ورد حديث آخر عن النّبي (ص) يقول فيه: "إنّ حسن الظنّ بالله عزَّ وجلَّ ثمن الجنّة" (8)!. فأي قيمة أيسر من هذا... وأيُّ متاع أعظم قيمةً منه!؟ ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾.