ومن أجل أن ينجلي الأمر ويتّضح الواقع أكثر يميط القرآن جيمع الأستار فيقول: (بل ظننتم أن لن ينقلب الرّسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً).
أجلْ، إنّ السبب في عدم مشاركتكم النّبي وأصحابه في هذا السَفَر التاريخي لم يكن هو كما زعمتم - انشغالكم بأموالكم وأهليكم - بل العامل الأساس هو سوء ظنّكم بالله، وكنتم تتصوّرون خطأً أنّ هذا السفر هو السفر الأخير للنبي وأصحابه وينبغي الاجتناب عنه!
وما ذلك إلاّ ما وسوست به أنفسكم (وزُيّن ذلك في قلوبكم وظننتم ظنّ السوء).
لأنّكم تخيّلتم أنّ الله أرسل نبيّه في هذا السفر وأودعه في قبضة أعدائه ولن يخلصه ويحميه عنهم! (وكنتم قوماً بوراً) - أي هالكين - في نهاية الأمر!.
وأي هلاك أشدّ وأسوأ من عدم مشاركتهم في هذا السفر التأريخي وبيعة الرضوان وحرمانهم من المفاخر الأُخَر... ثمّ الفضيحة الكبرى... وبعد هذا كله ينتظرهم العذاب الشديد في الآخرة، أجل لقد كان لكم قلوب ميتة فابتليتم بمثل هذه العاقبة!.
وحيث أنّ هؤلاء الناس - ضعاف الإيمان - أو المنافقين هم أُناس جبناء وتائقون إلى الدعة والراحة ويفرّون من الحرب والقتال فإنّ ما يحلّلونه إزاء الحوادث لا ينطبق على الواقع أبداً... ومع هذه الحال فإنّهم يتصوّرون أنّ تحليلهم صائب جدّاً.
وبهذا الترتيب فإنّ الخوف والجبن وطلب الدعة والفرار من تحمل المسؤوليات يجعل سوء ظنّهم في الأُمور واقعياً، فهم يسيئون الظنّ في كلّ شيء حتى بالنسبة إلى الله والنّبي (ص).
ونقرأ في نهج البلاغة من وصية للإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر قوله: "إنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظنّ بالله" (1).
حادثة "الحديبيّة" والآيات محل البحث، كلّ ذلك هو الظهور العيني لهذا المعنى، ويدلّل كيف أنّ مصدر سوء الظنّ هو من الصفات القبيحة حاله حال البخل والحرص والجبن!.
﴿بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾ بأن يستأصلهم العدو بل في الموضعين للانتقال من غرض إلى آخر ﴿وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ هذا وغيره ﴿وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ جمع بائر أي هالكين.