التّفسير
المخلّفون الانتهازيّون:
يعتقد أغلب المفسّرين أنّ هذه الآيات ناظرة إلى "فتح خيبر" الذي كان في بداية السنة السابعة للهجرة وبعد صلح الحديبيّة! وتوضيح ذلك أنّه طبقاً للرّوايات حين كان النّبي (ص) يعود من الحديبيّة بشّر المسلمين المشتركين بالحديبيّة - بأمر الله - بفتح خيبر، وصرّح أن يشترك في هذه الحرب من كان في الحديبيّة من المسلمين فحسب، وأنّ الغنائم لهم وحدهم ولن ينال المخلّفين منها شيء أبداً.
إلاّ أنّ عبيد الدنيا الجبناء لمّا فهموا من القرائن أنّ النّبي سينتصر في المعركة المقبلة قطعاً - وأنّه ستقع غنائم كثيرة في أيدي جنود الإسلام - أفادوا من الفرصة، فجاؤوا إلى النّبي (ص) وطلبوا منه أن يأذن لهم بالاشتراك في حرب خيبر، وربّما توسّلوا بهذا العذر، وهو أنّهم يريدون التكفير عن خطئهم السابق والتوبة من الذنب وأن يتحمّلوا عبءَ المسؤولية، والخدمة الخالصة للإسلام والقرآن ويريدون الجهاد مع رسول الله في هذا الميدان، وقد غفلوا عن نزول الآيات آنفاً وأنّها كشفت حقيقتهم من قبلُ كما نقرأ ذلك في الآية الأُولى من الآيات محل البحث ـ: (سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم...).
ولا نجد ذلك في هذا المورد فحسب، بل في موارد كثيرة نجد هؤلاء الطامعين يركضون وراء اللقمة الدسمة التي لا تقترن بألم.
ويهربون من المواطن الخطيرة وساحات القتال كما نقرأ ذلك في الآية (42) من سورة التوبة: (لو كان عرضاً قريباً و سفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقّة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم).
وعلى كلّ حال فإنّ القرآن الكريم يقول رداً على كلام هؤلاء الانتهازيين وطالبي الفُرص (يريدون أن يبدلوا كلام الله) ثمّ يضيف قائلاً للنبي: (قل لن تتبعونا).
وليس هذا هو كلامي بل (كذلكم قال الله من قبل) وأخبرنا عن مستقبلكم أيضاً.
إنّ أمر الله أن تكون غنائم خيبر خاصّة بأهل الحديبيّة ولن يشاركهم في ذلك أحد.
لكنّ هؤلاء المخلّفين الصلفين استمروا في تبجّحهم واتهموا النبيّ ومن معه بالحسد كما صرّح القرآن بذلك: (فسيقولون بل تحسدوننا).
وهكذا فإنّهم بهذا القول يكذّبون حتى النّبي (ص) ويعدّون أساس منعهم من الاشتراك في معركة خيبر الحسد فحسب.
وفي ذيل الآية يصرّح القرآن عن حالهم فيقول: (بل كانوا لا يفقهون إلاّ قليلاً).
أجل إنّ أساس جميع شقائهم وسوء حظهم هو جهلهم وعدم فقاهتهم، فالجهل ملازم لهم أبداً، جهلهم بالله سبحانه وعدم معرفة مقام النّبي (ص) وجهلهم عن مصير الإنسان وعدم توجّههم إلى أنّ الثروة في الدنيا لا قرار فيها، فهي زائلة لا محالة!.
صحيح أنّهم أذكياء في المسائل المادية والمنافع الشخصية، ولكن أي جهل أعظم من أن يبيع الإنسان جميع كيانه وكلّ شيء منه بالثروة!
وأخيراً وطبقاً لما نقلته التواريخ فإنّ النّبي الأكرم وزّع غنائم خيبر على أهل الحديبيّة فحسب، حتى الذين لم يشتركوا في خيبر وكانوا في الحديبيّة جعل لهم النّبي سهماً من غنائم خيبر، وبالطبع لم يكن لهذا المورد أكثر من مصداق واحد وهو "جابر بن عبد الله الأنصاري" (1).
﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ﴾ المذكورون ﴿إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا﴾ هي مغانم خيبر فإنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) عاد من الحديبية فغزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وخصهم بغنائمها ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ وهو وعده بغنائم خيبر لأهل الحديبية خاصة ﴿قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ﴾ قبل عودنا من الحديبية ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ ردا لذلك ﴿بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ أن نشارككم في الغنيمة ﴿بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ وهو فهمهم لأمور الدنيا دون الدين.