لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول ذكر المفسّرون لنزول الآية الأُولى من هذه السورة شأناً بل شؤوناً كما ذكروا لنزول الآيات التي بعدها شؤوناً أُخر! فمن الشؤون التي ذكروها لنزول الآية الأُولى أنّه: حين أراد النّبي (ص) أن يتوجّه إلى خيبر رغب في أن يخلّف شخصاً معيّناً مكانه في المدينة وينصّبه خليفةً عنه، فاقترح عمر شخصاً آخر، فنزلت الآية الآنفة وأمرت أن لا تقدموا بين يدي الله ورسوله. وقال آخرون: كان بعض المسلمين بين الفينة والأُخرى يقولون لو نزلت فينا آية لكان أفضل، فنزلت الآية أن لا تقدموا بين يدي الله ورسوله. وقال بعضهم: إنّ الآية تشير إلى أعمال بعض المسلمين الذين كانوا يؤدّون عباداتهم قبل أوآنها، فنزلت الآية لتنهاهم عن مثل هذه الأعمال (1). وأمّا في شأن الآية الثانية فقد قال المفسّرون إنّ طائفةَ من "بني تميم" وأشرافهم وردوا المدينة، فلمّا دخلوا مسجد النّبي نادوا بأعلى صوتهم من وراء الحجرات التي كانت للنبي: يا محمّد أخرج إلينا. فأزعجت هذه الصرخات غير المؤدّبة النبي، فخرج إليهم فقالوا له: جئناك لنفاخرك فأجز شاعرنا وخطيبنا ليتحدّث عن مفاخر قبيلتنا، فأجازهم النّبي (ص) فنهض خطيبهم وتحدّث عن فضائلهم الخيالية الوهميّة كثيراً... فأمر النّبي (ثابت بن قيس) أن يردّ عليهم (2) فنهض وخطب خُطبةً بليغة فلم يُبق لخُطبة أولئك من أثر!... ثمّ نهض شاعرهم وألقى قصيدة في مدحهم فنهض "حسان بن ثابت" فردَّ عليه بقصيدة شافية كافية! فقام رجلٌ من أشراف تلك القبيلة واسمه "الأقرع" فقال: إنّ هذا الرجل يعني محمّداً خطيبه أبلغ من خطيبنا وشاعره أجدر من شاعرنا وصدى صوته أبعد مدىً من صوتنا... فأمر النّبي (ص) أن تُهدى لهم هدايا ليكتسب قلوبهم إليه فكان أن تأثّروا بمثل هذه المسائل فاعترفوا بنبوّته! فالآيات محل البحث ناظرة إلى هذه القضية والأصوات من خلف الحجرات. وهناك شأن آخر لنزول الآية بل هو يتعلّق بالآية الأولى وما بعدها وهو أنّه في السنة التاسعة للهجرة (حين كانت القبائل تَفُد على النّبي للسلام عليه أو للمعاهدة معه) وقد عُرف العام ذلك "بعام الوفود" وعند وصول ممثلي قبيلة تميم إلى النّبي (ص) قال أبو بكر: ليكن "القعقاع" (أحد أشراف تلك القبيلة) أميرها، واقترح عمر أن يكون "الحابس بن أقرع" أميرها. فقال أبو بكر لعمر أردت أن تخالفني، فردَّ عليه عمر بأنّه لم يُرد مخالفته أبداً، فتعالى الصياح والضجيج بينهما، فنزلت الآيات الآنفة... أي لا تقترحوا في الأُمور على النّبي شيئاً ولا تتقدّموا عليه في العمل ولا ترفعوا أصواتكم عند بيت النبي (3). التّفسير آداب الحضور عند النبي: كما أشرنا آنفاً أنّ في محتوى هذه السورة قسماً من المباحث الأخلاقية المهمّة والأوامر والتعليمات الإنضباطية التي تدعونا إلى تسمية هذه السورة بسورة الأخلاق، وهذه المسائل والتعليمات تقع في الآيات الأوّل من السورة محل البحث - والآيات هذه على نحوين من التعليمات. الأول: عدم التقدّم على الله ورسوله وعدم رفع الصوت عند رسول الله (ص)... فتقول الآية الأولى في هذا الصدد: (يا أيّها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله واتّقوا الله إنّ الله سميع عليم). والمراد من عدم التقديم بين يدي الله ورسوله هو أن لا يُقترح عليهما في الأُمور، وترك العجلة والإسراع أمام أمر الله ورسوله... وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين أرادوا أن يحدّدوا مفهوم الآية وجعلوه منحصراً بأداء العبادات قبل وقتها، أو التكلّم قبل كلام رسول الله وأمثال ذلك، إلاّ أنّه من الواضح أنّ للآية مفهوماً واسعاً يشمل أي تقدّم وإسراع في كلّ خطّة ومنهج (4). إنّ مسؤولية انضباط السائرين إزاء القادة وخاصةً إزاء القادة الإلهيين تقتضي ألاّ يتقدّموا عليهم في أي عمل وقول ولا يعجل أحد عندهم. وبالطبع فإنّ هذا الكلام لا يعني بأنّه لا يجوز لهم أن يتشاوروا مع النّبي إذا كان لديهم شيءٌ يجدر بيانه، بل المراد منه إلاّ يعجلوا ويبادروا بالتصميم قبل أن يوافق النّبي على ذلك! حتى أنّه لا ينبغي أن تثار أسئلة ومناقشات أكثر ممّا يلزم في شأن المسائل، بل ينبغي أن يترك الأمر للقائد نفسه أن يبيّن المسائل في حينها، لا سيما إذا كان القائد معصوماً الذي لا يغفل عن أي شيء! كما أنّه لو سُئل المعصوم أيضاً، لا يحقّ للآخرين أن يجيبوا السائل قبل أن يردّ عليه المعصوم، وفي الحقيقة أنّ الآية جمعت كلّ هذه المعاني في طيِّها. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا﴾ متعد حذف مفعوله ليعم كل أمر أو ترك قصدا إلى التقديم لا إلى مفعوله أو لازم أي لا تقدموا بقول أو فعل ويعضده قراءة تقدموا بالفتحات ﴿بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أصله بين جهتي يدي الإنسان والمراد لا تعجلوا بأمر قبل إذنهما فيه أو أريد بين يدي الرسول وذكر الله تعظيما له ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في أوامره ونواهيه ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأفعالكم.