سبب النّزول
قال جماعة من المفسّرين إنّه بعد نزول ما تقدّم من الآيات آنفاً جاء النّبي طائفةٌ من الأعراب وحلفوا أنّهم صادقون في إدّعائهم بأنّهم المؤمنون وظاهرهم وباطنهم سواء، فنزلت الآية الأولى من الآيات محل البحث وأنذرتهم أن لا يحلفوا، فالله يعرف باطنهم وظاهرهم، ولا يخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض (1).
التّفسير
لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم:
كانت الآيات السابقة قد بيّنت علائم المؤمنين الصادقين، وحيث أنّا ذكرنا في شأن النّزول أنّ جماعة جاؤوا النّبي (ص) وقالوا إنّ ادّعاءهم كان حقيقةً وإنّ الإيمان مستقرٌّ في قلوبهم، فإنّ هذه الآيات تنذرهم وتبيّن لهم أنّه لا حاجة إلى الإصرار والقسم، كما أنّ هذا البيان والإنذار هو لجميع الذين على شاكلة تلك الجماعة، فمسألة (الكفر والإيمان) إنّما يطّلع عليها الله الخبير بكل شيء!
ولحن الآيات فيه عتاب وملامة، إذ تقول الآية الأولى من الآيات محل البحث: (قل أتُعلّمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض).
ولمزيد التأكيد تقول الآية أيضاً: (والله بكلّ شيء عليم).
فذاته المقدّسة هي علمه بعينه وعلمه هو ذاته بعينها (2) ولذلك فإنّ علمه أزلي أبدي!
ذاته المقدّسة في كلّ مكان حاضرة، وهو أقرب إليكم من حبل الوريد، ويحول بين المرء وقلبه، فمع هذه الحال لا حاجة لإدّعائكم، وهو يعرف الصادقين من الكاذبين ومطّلع على أعماق أنفسهم حتى درجات إيمانهم المتفاوتة ضعفاً وقوّةً، وقد تنطلي عليهم أنفسهم، إلاّ أنّه يعرفها بجلاء، فعلامَ تصرّون أن تعلّموا الله بدينكم؟!
ثمّ يعود القرآن لكلمات الأعراب من أهل البادية الذين يمنّون على النّبي بأنّهم أسلموا وأنّهم أذعنوا لدينه في الوقت الذي حاربته القبائل العربية الأُخرى.
﴿قُلْ﴾ توبيخا لهم ﴿أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ في قولكم آمنا ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ومنه إيمانكم.