وكذلك من بعدهم: (وأصحاب الأيكة وقوم تُبّع).
والأيكة: معناها الأشجار الكثيرة المتداخلة بعضها ببعض - أو الملتفّة أغصانها - و "أصحاب الأيكة" هم طائفة من قوم شعيب كانوا يقطنون منطقة غير "مدين" وهي منطقة ذات أشجار كثيرة(1)!
والمراد من "قوم تبّع" طائفة من أهل اليمن، لأنّ "تبّع" لقب لملوك اليمن، باعتبار أنّ هؤلاء القوم يتبعون ملوكهم، وظاهر تعبير القرآن هنا وفي آية اُخرى منه (37 - الدخان) هو ملك مخصوص من ملوك اليمن إسمه (أسعد أبو كرب) كما نصّت عليه بعض الرّوايات، ويعتقد جماعة من المفسّرين بأنّه كان رجلا صالحاً مؤمناً يدعو قومه إلى اتّباع الأنبياء، إلاّ أنّهم خالفوه(2).
ثمّ إنّ الآية هذه أشارت إلى جميع من ذكرتهم من الأقوام الثمانية فقالت: (كلٌّ كذّب الرسل فحقّ وعيد).
وما نراه في النصّ من أنّ جميع هؤلاء كذّبوا الرسل والحال أنّ كلّ قوم كذّبوا رسولهم فحسب لأنّ الفعل الصادر منهم جميعاً (التكذيب) نال الأنبياء جميعاً وإن كان كلّ قوم قد كذّبوا نبيّهم وحده في زمانهم.
أو لأنّ تكذيب أحد النّبيين والرسل يعدّ تكذيباً لجميع الرسل، لأنّ محتوى دعوتهم سواء.
وعلى كلّ حال، فإنّ هؤلاء الاُمم كذّبوا أنبياءهم وكذّبوا مسألة المعاد والتوحيد أيضاً، وكانت عاقبة أمرهم نُكراً ووبالا عليهم، فمنهم من اُبتلي بالطوفان، ومنهم من أخذته الصاعقة، ومنهم من غرق بالنيل، ومنهم من خُسفت به الأرض أو غير ذلك، وأخيراً فإنّهم ذاقوا ثمرة تكذيبهم المرّة!! فكن مطمئناً يارسول الله أنّه لو واصل هؤلاء تكذيبهم لك فلن يكونوا أحسن حالا من السابقين.
﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾ سبق في الحجر والدخان ﴿كُلٌّ﴾ من المذكورين ﴿كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ كقومك ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ فوجب حلول عذابي بهم وفيه تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم).