ثمّ يشير القرآن إلى دليل آخر من دلائل إمكان النشور ويوم القيامة فيقول: (أفعيينا بالخلق الأوّل)(3).
ثمّ يضيف القرآن: إنّهم لا يشكّون ولا يتردّدون في الخلق الأوّل لأنّهم يعلمون أنّ خالق الإنسان هو الله ولكنّهم يشكّون في المعاد مع كلّ تلك الدلائل الواضحة: (بل هم في لبس جديد).
وفي الحقيقة إنّهم في تناقض بسبب هوى النفس والتعصّب الأعمى، فمن جهة يعتقدون بأنّ خالق الناس أوّلا هو الله إذ خلقهم من تراب، إلاّ أنّهم من جهة اُخرى حين يقع الكلام على المعاد وخلق الإنسان ثانية من التراب يعدّون ذلك أمراً عجيباً ولا يمكن تصوّره وقبوله، في حين أنّ الأمرين متماثلان: "وحكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد".
وهكذا فإنّ القرآن يستدلّ على المعاد في هذه الآيات والآيات الآنفة بأربعة طرق مختلفة، فتارةً عن طريق علم الله، واُخرى عن طريق قدرته، وثالثة عن طريق تكرّر صور المعاد ومشاهده في عالم النباتات، وأخيراً عن طريق الإلتفات إلى الخلق الأوّل.
ومتى ما عُدنا إلى آيات القرآن الاُخر في مجال المعاد وجدنا هذه الأدلّة بالإضافة إلى أدلّة اُخر وردت في آيات مختلفة وبصورة مستقلّة، وقد أثبت القرآن المعاد بالمنطق القويم والتعبير السليم والاُسلوب الرائع (القاطع) للمنكرين وبيّنه بأحسن وجه ..
فلو خضعوا لمنطق العقل وتجنّبوا الأحكام المسبقة والتعصّب الأعمى والتقليد الساذج فسرعان ما يذعنوا لهذه المسألة وسيعلمون بأنّ المعاد أو يوم القيامة ليس أمراً ملتوياً وعسيراً.
﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ﴾ استفهام إنكاري أي لم نعي به ولم نعجز عنه فكيف نعجز عن الإعادة ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ﴾ في شك ﴿مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وهو الإعادة.