لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
أمّا آخر آية من الآيات محلّ البحث فتتحدّث عن الملكين أيضاً فتقول: (ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد)(7). وكان الكلام في الآية الآنفة عن كتابة جميع أعمال الإنسان، وفي هذه الآية إهتمام بخصوص ألفاظه، وهذا الأمر هو للأهميّة القصوى للقول وأثره في حياة الناس، حتّى أنّ جملة واحدة أو عبارة قصيرة قد تؤدّي إلى تغيير مسير المجتمع نحو الخير أو الشرّ!! كما أنّ بعض الناس لا يعتقدون بأنّ الكلام جزء من أعمالهم .. ويرون أنفسهم أحراراً في الكلام مع أنّ أكثر الاُمور تأثيراً وأخطرها في حياة الناس هو الكلام!. فبناءاً على ذلك فإن ذكر هذه الآية بعد الآية المتقدّمة هو من قبيل ذكر الخاص بعد العام. كلمة "الرقيب" معناها المراقب و "العتيد" معناها المتهيء للعمل، لذلك يطلق على الفرس المعدّة للركض بأنّها فرس عتيد كما يطلق على من يعدّ شيئاً أو يدّخره بأنّه عتيد، وهي من مادّة العتاد على زنة الجهاد ومعناها الإدّخار!. ويعتقد أغلب المفسّرين أنّ الرقيب والعتيد إسمان للملكين المذكورين في الآية المتقدّمة وهما "المتلقيان" فاسم ملك اليمين "رقيب" واسم ملك الشمال "عتيد"، وبالرغم من أنّ الآية محلّ البحث ليس فيها قول صريح على هذا الأمر، إلاّ أنّ هذا التّفسير وبملاحظة مجموع الآيات يبدو غير بعيد! ولكن أيّ كلام يكتب هذان الملكان؟ هناك أقوال بين المفسّرين قال بعضهم يكتبان كلّ كلام حتّى الصرخات من الألم، في حين أنّ بعضهم الآخر يعتقد بأنّهما يكتبان ألفاظ الخير والشرّ والواجب والمستحبّ أو الحرام والمكروه، ولا يكتبان ما هو مباح! إلاّ أنّ عموميّة التعبير يدلّ على أنّ الملكين يكتبان كلّ لفظ وقول يقوله الإنسان. الطريف أنّنا نقرأ روايةً عن الإمام الصادق يقول فيها: ا"نّ المؤمنين إذا قعدا يتحدّثان قالت الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعلّ لهما سرّاً وقد ستر الله عليهما! يقول الراوي: ألم يقل الله تعالى (ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد) فيجيب الإمام (ع): إن كانت الحفظة لا تسمع فإنّ عالم السرّ يسمع ويرى"(8). ويستفاد من هذه الرّوايات أنّ الله سبحانه يكتم بعض أحاديث المؤمن التي فيها (جانب سرّي) إحتراماً وإكراماً له، إلاّ أنّه حافظ لجميع هذه الأسرار. ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ حفظة الليل غير حفظة النهار، كما بيّنا هذا المعنى في تفسير الآية 78 من سورة الإسراء من نفس هذا التّفسير. ملاحظة الحبيب أقرب إلى الإنسان من نفسه!! يقول بعض الفلاسفة: كما أنّ شدّة البعد توجب الخفاء فإنّ شدّة القرب كذلك، فمثلا لو كانت الشمس بعيدة عنّا جدّاً لما رأيناها ولو كانت قريبة منّا جدّاً أو إقتربنا منها كثيراً فإنّ نورها سيذهلنا إلى درجة بحيث لا نستطيع رؤيتها. وفي الحقيقة إنّ ذات الله المقدّسة كذلك: "يامن هو اختفى لفرط نوره"!. وفي الآيات محلّ البحث تشبيه رائع لقرب الله إلى العباد إذ قالت حاكية عنه سبحانه: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) أي أنّ الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد. والتشبيهات التي تقول مثلا العالم جميعه جسم والله روحه، أو العالم كشعاع الشمس وهو قرصها وأمثال هذه لا يمكن أن توضّح العلاقة القريبة كما وصفتها الآية. ولعلّ أفضل تعبير هو ما ورد على لسان أمير المؤمنين (ع) في خطبته الاُولى من نهج البلاغة إذ قال عنه سبحانه: "مع كلّ شيء لا بمقارنة وغير كلّ شيء لا بمزايلة". وقد شبّه بعض الفلاسفة لبيان هذا القرب تشبيهاً آخر، فقالوا إنّ ذات الله المقدّسة هي المعنى الإسمي والموجودات هي المعنى الحرفي. وتوضيح ذلك: حين نقول: توجّه إلى الكعبة، فإنّ كلمة (إلى) لا مفهوم لها وحدها، وما لم تضف الكعبة إليها فستبقى مبهمة، فعلى هذا ليس للمعنى الحرفي مفهوم إلاّ تبعاً للمفهوم الإسمي، فوجود جميع موجودات العالم على هذه الشاكلة، إذ دون إرتباطها بذاته لا مفهوم لها ولا وجود ولا بقاء لها أصلا .. وهذا يدلّ على نهاية قرب الله إلى العباد وقربهم إليه وإن كان الجهلة غافلين عن ذلك. ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ﴾ حافظ لعمله ﴿عَتِيدٌ﴾ حاضر معه