وفي الآية التالية بيان لحال الناس يوم المحشر بهذه الصورة: (وجاءت كلّ نفس معها سائق وشهيد).
فالسائق يسوقه نحو محكمة عدل الله، والشهيد يشهد على أعماله! وهي كمحاكم هذا العالم إذ يسوق المأمورون المتّهمين ويأتون معهم للمحكمة ويشهد عليهم الشهود.
وإحتمل بعض المفسّرين أنّ السائق هو من يسوق الصالحين نحو الجنّة والطالحين نحو جهنّم، ولكن مع ملاحظة كلمة "الشهيد" معها يكون المعنى الأوّل وهو السوق نحو محكمة عدل الله أنسب.
ولكن من هما السائق والشهيد؟ أهما "ملكان" من الملائكة أو سواهما، هناك تفاسير متعدّدة.
قال بعضهم: إنّ "السائق" هو الملك الذي يكتب الحسنات، و"الشهيد" هو الملك الذي يكتب السيّئات، فيكون المراد بهما الملكين الوارد ذكرهما في الآيات المتقدّمة.
ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ "السائق" ملك الموت و "الشهيد" رسول الله (ص) ولكن هذه الرّواية مع ملاحظة لحن الآيات تبدو ضعيفة.
وقال بعضهم: "السائق" الملك الذي يسوق كلّ إنسان و "الشهيد" عمل الإنسان.
كما قيل أنّ "السائق" ملك و "الشهيد" أعضاء جسم الإنسان أو صحيفة أعماله أو الكتاب الذي في عنقه.
ويحتمل أنّ السائق والشهيد ملك واحد، وعطف اللفظين بعضهما على الآخر هو لإختلاف الوصفين، أي أنّ مع الإنسان ملكاً يسوقه إلى محكمة عدل الله ويشهد عليه أيضاً.
إلاّ أنّ أغلب هذه التفاسير مخالف لظاهر الآية، وظاهر الآية كما فهم منه أغلب المفسّرين أنّ ملكين يأتيان مع كلّ إنسان، فواحد يسوقه والآخر يشهد على أعماله.
ومن الواضح أنّ شهادة بعض الملائكة لا تنفي وجود شهادة اُخرى لبعض الشهود في يوم القيامة، الشهود الذين هم من قبيل الأنبياء وأعضاء البدن، وصحائف الأعمال والزمان والمكان الذين وقع عمل الإنسان فيهما أو أثم فيهما.
وعلى كلّ حال فالملك الأوّل يمنع الإنسان عن الفرار، والملك الثاني يمنع عن الإنكار، وهكذا فإنّ كلّ إنسان في ذلك اليوم مبتلى بأعماله ولا مفرّ له من جزاء أعماله أبداً.
﴿وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ ملك يسوقها وآخر يشهد عليها أو واحد له الوصفان أو السائق نفسه والشاهد جوارحه ويقال له.