التّفسير
ادخلوا الجنّة .. أيّها المتّقون!
مع الإلتفات إلى أنّ أبحاث هذه السورة يدور أغلبها حول محور المعاد والاُمور التي تتعلّق به، ومع ملاحظة أنّ الآيات آنفة الذكر تتحدّث عن كيفية القاء الكفّار المعاندين في نار جهنّم وما يلاقونه من عذاب شديد وبيان صفاتهم التي جرّتهم وساقتهم إلى نار جهنّم! ففي هذه الآيات محلّ البحث تصوير لمشهد آخر، وهو دخول المتّقين الجنّة بمنتهى التكريم والتجلّة وإشارة إلى أنواع النعم في الجنّة، كما أنّ هذه الآيات تبيّن صفات أهل الجنّة لتتّضح الحقائق أكثر بهذه المقارنة ما بين أهل النار وأهل الجنّة.
فتبدأ الآيات بالقول: (وأُزلفت الجنّة للمتّقين غير بعيد).
"اُزلفت": من مادّة زُلفى - على زنة كُبرى - ومعناها القرب، أي قُرّبت.
والطريف هنا أنّ القرآن لا يقول: وقُرّب المتّقين إلى الجنّة، بل يقول واُزلفت أي وقرّبت الجنّة للمتّقين، وهذا أمر لا يمكن أن يتصوّر تبعاً للظروف الدنيوية وشروطها، ولكن حيث إنّ الاُصول الحاكمة على العالم الآخر تختلف إختلافاً بالغاً عمّا هي في هذه الدنيا، فلا ينبغي التعجّب إطلاقاً أن يُقرّب الله الجنّة للمتّقين بمنتهى التكريم بدلا من أن يذهبوا هم إليها.
كما أنّنا نقرأ في الآيتين (90) و91) من سورة الشعراء: (واُزلفت الجنّة للمتّقين وبُرّزت الجحيم للغاوين).
وهذا منتهى اللطف الإلهي لعباده المؤمنين حيث لا يتصوّر فوقه لطف آخر!.
والتعبير بـ (غير بعيد)(1) تأكيد على هذا المعنى أيضاً.
وعلى كلّ حال، فمفهوم الآية أنّ هذه القضيّة تقع في القيامة رغم أنّه عبّر عنها بالماضي "أزلفت" لكن الحوادث المستقبلية القطعية كثيراً ما يعبّر عنها بالماضي - لأنّ وقوعها سيتحقّق حتماً - .
وقيل: إنّ إزلاف الجنّة للمتّقين يتحقّق في الدنيا، لأنّه لا يفصلهم شيء عن الجنّة والتعبير بالماضي يراد به الماضي حقيقة.
وعند الموت سيجدون أنفسهم في الجنّة.
لكن مع ملاحظة الآيات السابقة واللاحقة التي تتحدّث عن مشاهد القيامة يبدو أنّ هذا المعنى بعيد، والمناسب هو التّفسير الأوّل.
﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ﴾ قربت ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ مكانا ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ منهم ويقال لهم.