التّفسير
خالق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى:
تعقيباً على ما ورد في الآيات آنفة الذكر ودلائلها المتعدّدة في شأن المعاد، تشير الآيات محلّ البحث إلى دليل آخر من دلائل إمكان المعاد ..
ثمّ تأمر النّبي بالصبر والإستقامة والتسبيح بحمد الله ليبطل دسائس المتآمرين وما يحيكونه ضدّه، فتقول الآية الاُولى من هذه الآيات: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام وما مسّنا من لغوب).
"اللغوب" بمعنى "التعب" وبديهي أنّ من لديه قدرة محدودة وأراد أن يعمل عملا فوق طاقته وقدرته فإنّه يتعب ويناله اللغوب والنصب، إلاّ أنّ من كان ذا قدرة لا نهاية لها، وقوّة لا حدّ لها فإنّ التعب والنصب واللغوب لا تعني شيئاً لديه ..
فعلى هذا من كان قادراً على إيجاد السماوات والأرض وخلق الكواكب والمجرّات وأفلاكها جميعاً، قادر على إعادة الإنسان بعد موته وأن يُلبسه ثوباً جديداً من الحياة.
بعض المفسّرين ذكر في شأن نزول الآية أنّ اليهود كانوا يتصوّرون أنّ الله خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام "ستّة أيّام من أيّام الأسبوع"! ثمّ إستراح في اليوم السابع "السبت" فوضع رجلا على رجل اُخرى!! وهكذا فإنّهم يرون أنّ الجلوس على هذه الشاكلة غير لائق، وأنّه خاصّ بالله، فنزلت الآية آنفة الذكر وحسمت الكلام في مثل هذه الخرافات المضحكة(1)!
إلاّ أنّ هذا الشأن لا يمنع من أن يتابع مسألة إمكان المعاد في الوقت الذي هو دليل على توحيد الله وقدرته وعلمه، إذ خلق السماوات والأرض بما فيهما من عجائب و (ملايين) الأحياء والأسرار المذهلة ونظمها الخاصّة بحيث أنّ التفكّر في زاوية واحدة من هذا الخلق يسوقنا إلى الخالق الذي حرّكت يد قدرته هذه الكواكب ونثرت نور الحياة في كلّ مكان ليكون دليلا عليه.
وقد تكرّر موضوع خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام في آيات متعدّدة من القرآن(2).
وكلمة "يوم" يراد منها الفترة الزمنية لا بمعنى أربع وعشرين ساعة أو إثنتي عشرة ساعة، كأن نقول "كان الناس يعيشون في ظلّ النّبي يوماً، وسلّط عليهم بنو اُميّة يوماً وبنو العبّاس يوماً آخر!..الخ".
وواضح أنّ كلمة "اليوم" في هذه التعبيرات وأمثالها يراد منها الفترة الزمانية سواءً كانت سنّةً أو شهراً أو جيلا .. أو آلاف السنين ..
فنقول مثلا: كانت الكرة الأرضية قطعةً متلهّبة يوماً، وبردت يوماً فغدت مهيّأة للحياة، فجميع هذه التعبيرات تشير إلى الفترات الزمنية.
فيستفاد من التعبيرات الواردة في الآية آنفة الذكر أنّ الله خلق جميع السماوات والأرض والموجودات الاُخرى في ستّ مراحل أو ستّ فترات زمانية.
"وتفصيل هذا الكلام مبيّن في ذيل الآية 54 من سورة الأعراف فلا بأس بمراجعته".
إذاً، لا يبقى مجال للسؤال بأنّه لم يكن قبل خلق السماء والأرض ليل أو نهار فكيف خلقتهما في ستّة أيّام؟!
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ أولها الأحد وآخرها الجمعة ﴿وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾ تعب رد لقول اليهود إنه استراح يوم السبت.