ويضيف القرآن في الآية التالية قائلا: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) أي أفلا تبصرون هذه الآيات في أنفسكم أيضاً؟!
ولا شكّ أنّ الإنسان أعجوبة عالم الوجود وما هو في العالم الأكبر موجود في عالم الإنسان الأصغر أيضاً، بل في الإنسان عجائب لا توجد في أي مكان من العالم!
والعجب أنّ هذا الإنسان على عظمته وعقله وعلمه وهذا الإبتداع والإبتكار والصنع العجيب كان أوّل يومه على صورة نطفة صغرى لا قيمة لها!! لكن ما أن استقرّت في الرحم حتّى تكاملت بسرعة وتبدلّت يوماً بعد يوم ولحظة بعد اُخرى فإذا هذه النطفة التي لا قيمة لها تغدو إنساناً كاملا سويّاً!
خليّة واحدة التي هي أصغر جزء في بدن الإنسان تشكّل بناية ضخمة متداخلة عجيبة فهي على حدّ تعبير بعض العلماء تعادل "مدينة صناعية".
يقول أحد علماء "علم الأحياء" إنّ هذه المدينة العظمى مع آلاف الأبواب أو البوابات المثيرة وآلاف المعامل والمخازن وشبكات المجاري والتأسيسات الكثيرة والإرتباطات والأعمال الحياتية المختلفة كلّ ذلك في مساحة صغيرة جدّاً بمقدار خلية من أكثر الاُمور تعقيداً وإثارة، إذ لو أردنا أن نهيىء تأسيسات مثلها ولن نستطيع أبداً - لكان علينا أن نشغل مساحة آلاف الهكتارات من الأرض وعليها البنايات والماكنات المختلفة المعقّدة لنصل إلى مثل هذه الخطّة!! إلاّ أنّ الطريف أنّ جهاز الخلقة جعل كلّ ذلك في مساحة تعدل خمسة عشر ميلونيم الميلميمتر فحسب(2).
إنّ الأجهزة الموجودة في بدن الإنسان كالقلب والكلية والرئة وخاصّة عشرات آلاف الكيلومترات من الأعصاب الرقيقة أو الكبيرة والأعصاب الدقيقة التي لا ترى بالعين المجرّدة وجميعها مسؤولة عن إيصال الغذاء والماء والتهوية إلى عشرة مليون مليارد خلية، والحواس المختلفة كالسمع والبصر والحواس الاُخر كلّ منها آية عظمى من آيات الله.
وأهمّ من كلّ ذلك لغز الحياة التي لم تعرف أسرارها وبناء الروح أو العقل الإنساني الذي يعجز عن إدراكه عقول جميع الناس وهنا - ينحني الإنسان ويتمتم بالتسبيح والحمد والثناء لله دون إختياره ويترنّم بهذه الأشعار:
فيك ياأعجوبة الكو ن غدا الفكر كليلا
أنت حيّرت ذوي اللـ بّ وبلبلت العقولا
كلّما قدّم فكري فيك شبراً فرّ ميلا
ناكصاً يخبط في عمـ ـياء لا يُهدى سبيلا
وقد ورد في حديث عن النّبي (ص) أنّه قال: "من عرف نفسه فقد عرف ربّه"(3).
أجل إنّ معرفة النفس في جميع المراحل طريق لمعرفة الله والتعبير: "أفلا تبصرون" تعبير لطيف: أي إنّ هذه الآيات حولكم وفي داخلكم وفي تمام وجودكم بحيث لو فتحتم أعينكم ولو قليلا لأبصرتم آيات الله ولارتوت أرواحكم من إدراك عظمته!.
﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ﴾ آيات أيضا إذ في الإنسان ما في العالم الأكبر مع ما خص به من الأمور العجيبة والتصرفات الغريبة ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ ذلك معتبرين به.