وفي الآية الثالثة من الآيات - محلّ البحث - إشارة إلى القسم الثالث من دلائل عظمة الخالق وقدرته على المعاد إذ تقول: (وفي السماء رزقكم وما توعدون).
وبالرغم من أنّ بعض الرّوايات الإسلامية تفسّر "الرزق" في هذه الآية بـ "المطر" الذي يمنح الحياة وهو مصدر الخير والبركة في الأرض جميعاً، والآية (الخامسة) من سورة الجاثية أيضاً توافق هذا التّفسير إذ تقول: (وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها) إلاّ أنّ هذا المعنى يمكن أن يكون مصداقاً جليّاً من مصاديق الآية، في حين أنّ سعة مفهوم الرزق تشمل حبّات المطر وغيرها كنور الشمس الذي يأتي من السماء وله أثره الفاعل في الحياة، والهواء الذي هو أساس حياة الموجودات.
كلّ هذا لو أخذنا مفهوم السماء بالمعنى اللغوي أي السماء التي فوقنا، إلاّ أنّ بعضهم فسّرها بعالم الغيب وما وراء الطبيعة أو اللوح المحفوظ الذي تقدّر منه أرزاق العباد!
وبالطبع فإنّ الجمع بين التّفسيرين ممكن، وإن كان التّفسير الأوّل أنسب وأوضح!.
وأمّا جملة و (ما توعدون) فيمكن أن تكون تأكيداً على مسألة الرزق ووعد الله في هذا المجال، أو أنّ المراد منها الجنّة الموعودة، لأنّنا نقرأ الآية 15 من سورة النجم (عندها جنّة المأوى) أو أنّها إشارة إلى كلّ خير وبركة أو عذاب ينزل من السماء! أو أنّ "ما توعدون" ناظر إلى جميع هذه المعاني، لأنّ مفهوم "ما توعدون" واسع جدّاً.
وعلى كلّ حال، فهذه الآيات الثلاث فيها ترتيب لطيف، فالآية الاُولى تتحدّث عن أسباب وجود الإنسان وحياته، والآية الثانية تتحدّث عن الإنسان نفسه، والآية الثالثة تتحدّث عن أسباب بقائه ودوامه!.
وجدير بالإلتفات أيضاً أنّ ما يمنع البصيرة ويصدّها عن مطالعة أسرار الخلق وأسرار الأرض وعجائب وجود الإنسان هو "الحرص على الرزق"، فالله سبحانه يطمئن الإنسان في الآية الأخيرة بأنّ رزقه مضمون، ليستطيع أن ينظر إلى عجائب العالم ويتحقّق فيه قوله: (أفلا تبصرون)؟!
﴿وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ﴾ تقديره أو سببه وهو المطر ﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾ من الثواب والعقاب فإنه مكتوب فيها أو في الجنة فإنها في السماء.