وكان إبراهيم يتصوّر أنّهم من الآدميين (فأوجس منهم خيفةً) لأنّه كان معروفاً في ذلك العصر وفي زماننا أيضاً بين كثير من الناس الملتزمين بالتقاليد العرفية، أنّه متى ما أكل شخص من طعام صاحبه فلن يناله أذى منه ولا يخونه ..
ولذلك فإنّ الضيف إذا لم يأكل من طعام صاحبه، يثير الظنّ السيء بأنّه جاء لأمر محذور، وقد قيل على سبيل المثل في لغة العرب: من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك"!
و "الإيجاس" مشتقّ من وجس - على وزن مكث - ومعناه في الأصل الصوت الخفي ومن هنا فقد أطلق الإيجاس على الإحساس الداخلي والخفي، فكأنّ الإنسان يسمع صوتاً داخله وحين يقترن الإيجاس بالخيفة يكون معناه الإحساس بالخوف.
وهنا قال له الضيف كما ورد في الآية (70) من سورة هود طمأنةً له فـ (قالوا لا تخف).
ويضيف القرآن: (وبشّروه بغلام عليم).
وبديهي أنّ الغلام عند ولادته لا يكون عليماً، إلاّ أنّه من الممكن أن يكون له إستعداد بحيث يكون في المستقبل عالماً كبيراً .. والمراد به هنا هو ذلك المعنى!.
وهذا الغلام من هو؟ هل هو إسحاق أم إسماعيل؟! هناك أقوال بين المفسّرين وإن كان المشهور أنّه إسحاق وإحتمال كونه إسماعيل - مع ملاحظة الآية (71) من سورة هود التي تقول فبشّرناها بإسحاق - يبدو غير صحيح، فبناءً على ذلك ليس
من شكٍّ أنّ المرأة التي يأتي ذكرها في الآيات التالية هي سارة زوج إبراهيم وولدها هذا هو إسحاق!
﴿فَأَوْجَسَ﴾ أضمر ﴿مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ لإعراضهم عن طعامه ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ إنا رسل الله ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ وهو إسحق.