ثمّ تشير الآية التالية إلى ما يشربه أهل الجنّة من شراب سائغ فتقول: (يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم)!
حيث يناول أحدهم الآخر كؤوس الشراب الطاهر من الإثم والإفساد، ويشربون شراباً سائغاً عذباً لذيذاً يهب النشاط خالياً من أي نوع من أنواع التخدير وفساد العقل! ولا يعقبه لغو ولا إثم، بل كلّه لذّة وإنتباه ونشاط "جسمي وروحاني".
وكلمة "يتنازعون" من مادّة التنازع ومعناه أخذ بعضهم من بعض، وقد يأتي للمخاصمة والتجاذب، لذلك قال بعض المفسّرين بأنّ أهل الجنّة يتجاذبون الشراب الطهور بعضهم من بعض على سبيل المزاح والسرور.
لكن كما يستفاد من كلمات أهل اللغة أنّ "التنازع" متى أطلق معه لفظ الكأس أو ما أشبه فمعناه أخذ الكأس من يد الآخر! ولا يعني التخاصم أو التجاذب! وينبغي الإلتفات إلى هذه اللطيفة اللغوية وهي أنّ "الكأس" هي الإناء المملوء فإذا كان خالياً لا يطلق عليه كأس(1).
وعلى كلّ حال، فحيث أنّ التعبير بالكأس يُتداعى منه إلى الشراب المخدّر في الدنيا فإنّ الآية تضيف قائلة (لا لغو فيها ولا تأثيم) ولا يصدر على أثرها عمل قبيح كما يعقب الشراب المخدّر! فشراب هذه الكأس طهور نقي يجعلهم أكثر طهارةً وخلوصاً.
(يتنازعون) يتعاطون بينهم (فيها) في الجنة (كأسا) خمرا سميت بمحلها (لا لغو فيها ولا تأثيم) لا يتحدثون بباطل بسبب شربها ولا يفعلون بما يؤثمون به بخلاف خمر الدنيا.