ثمّ يوبّخهم القرآن توبيخاً شديداً فيقول في شأنهم: (أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون)(6).
كان سَراةُ قريش يعرفون بين قومهم بعنوان "ذوي الأحلام"، أي أصحاب العقول، فالقرآن يقول: أي عقل هذا الذي يدّعي بأنّ وحي السماء - الذي تكمن فيه دلائل الحقّ والصدق - شعر أو كهانة؟! وأن يزعم بأنّ حامله "النبي" الذي عرف بالصدق والأمانة منذ عهد بعيد، بأنّه شاعر أو مجنون!؟
فبناءً على ذلك ينبغي أن يستنتج أنّ هذه التّهم والإفتراءات ليست ممّا تقول به عقولهم وتأمرهم به، بل أساسها طغيانهم وتعصّبهم وروح العصيان والتمرّد .. فما أن وجدوا منافعهم غير المشروعة في خطر حتّى ودّعوا العقل!! ولوّوا رؤوسهم نحو الطغيان عناداً عن اتّباع الحقّ!.
"الأحلام" جمع حُلُم ومعناه العقل، ولكن كما يقول الراغب في مفرداته أنّ الحلم في الحقيقة بمعنى ضبط النفس والتجلّد عند الغضب، وهو واحد من دلائل العقل والدراية، ويشترك مع الحِلم على زنة العلم - في الجذر اللغوي!.
وكلمة "الحُلُم" قد تأتي بمعنى الرؤيا والمنام ولا يبعد مثل هذا التّفسير في الآية محلّ البحث .. فكأنّ كلماتهم ناتجة عن أحلامهم الباطلة!!
(أم تأمرهم أحلامهم) عقولهم (بهذا) القول المنافي إذ الكاهن ذو فطنة والمجنون مغطى عقله والشاعر ذو كلام موزون مخيل وتنافيهما ظاهر وفيه توبيخ وتهكم (أم) بل (هم قوم طاغون) بعنادهم.