لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول وروي في تفسير مجمع البيان وتفاسير إسلامية أُخرى إنّ هذه الآية نزلت عندما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكّة المكرمة منتصراً فاتحاً، فاستحضر عثمان بن طلحة وكان سادن الكعبة فطلب منه مفتاح الكعبة المعظمة، ليطهرها من الأصنام والأوثان الموضوعة فيها، فلمّا فرغ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين منصب السقاية ومنصب السدانة الذي له في العرب شان وشاو مجيد (والظاهر أنّ العباس أراد أن يستفيد من نفوذ ومكانة ابن أخيه الإِجتماعية والسياسية لمصلحته الشخصية)، ولكن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعل خلاف ذلك، فإِنّه بعد ما طهر الكعبة من الأصنام والأوثان، أمر علياً(عليه السلام) أن يردّ المفتاح إِلى "عثمان بن طلحة" ففعل ذلك وهو يتلو الآية الحاضرة: (إِنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إِلى أهلها...)(1). التّفسير: قانونان إسلاميان مهمان: الآية الحاضرة وإِنّ نزلت - كالكثير من الآيات - في مورد خاص، إِلاّ أن من يالبديهي أنّها تتضمّن حكماً عامّاً وشام للجميع، فهي تقول بصراحة: (إِنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إِلى أهلها). ومن الواضح أنّ للأمانة معنىً وسيعاً يشمل كلّ شيء مادي ومعنوي، ويجب على كل مسلم - بصريح هذه الآية - أن لا يخون أحداً في أية أمانة دون استثناء، سواء كان صاحب الأمانة مسلماً أو غير مسلم، وهذا هو في الواقع إِحدى المواد في "الميثاق الاسلامي لحقوق الإِنسان" التي يتساوى تجاهها كل أفراد البشر. والجدير بالذكر أنّ الأمانة المذكورة في سبب النزول لم تكن مجرد أمانة مادية، ومن جانب آخر كان صاحبها المؤدى إِليه تلك الأمانة مشركاً. ثمّ إنّه سبحانه يشير - في القسم الثّاني من الآية - إِلى قانون مهم آخر، وهو مسألة "العدالة في الحكومة" فيقول: (وإِذا حكمتم بين النّاس فاحكموا بالعدل)أي إِنّ الله يوصيكم أيضاً أن تلتزموا جانب العدالة في القضاء والحكم بين الناس، فتحكموا بعدل. ثمّ قال سبحانه تأكيداً لهذين التعليمين: (إِنّ الله نعمّا يعظكم به). ثمّ يقول مؤكداً ذلك أيضاً: (إِنّ الله كان سميعاً بصيراً) فهو يراقب أعمالكم وهو يسمع أحاديثكم ويرى أفعالكم. إنّ هذا القانون هو الآخر قانون كلّي وعام، ويشمل كل نوع من القضاء والحكومة، سواء في الأُمور الكبيرة والأُمور الصغيرة، إِلى درجة أنّنا نقرأ في الأحاديث الإِسلامية أنّ صبين ترافعا إِلى الإِمام الحسن بن علي في خط كتباه وحكماه في ذلك ليحكم أيَّ الخطين أجود، فبصر به عليّ(عليه السلام) فقال: "يا بني اُنظر كيف تحكم فإِن هذا حكم والله سائلك عنه يوم القيامة"(2). إنّ هذين القانونين المهمّين (حفظ الأمانة، والعدالة في الحكم والحكومة) يمثلان قاعدة المجتمع الإِنساني السليم، ولا يستقيم أمر مجتمع، سواءاً كان مادياً أو إلهياً من دون تنفيذ وإجراء هذين الأصلين. فالأصل الأوّل يقول: إِنّ الأموال والثروات والمناصب والمسؤوليات والمهام والرساميل الإِنسانية والثقافات والتراث والمخلفات التاريخية، كلها أمانات إِلهية سلمت بأيدي أشخاص مختلفين في المجتمع، والجميع مكلّفون أن يحفظوا هذه الأمانات، ويجتهدوا في تسليمها إِلى أصحابها الأصليين، ولا يخونوا فيها أبداً. ومن جهة أُخرى حيث إنّ الإِجتماعات تلازم التصادمات والإِحتكاكات في المصالح والمنافع، ولهذا يتطلب الحل والفصل على أساس من الحكومة العادلة والقضاء العادل حتى يزول وينمحي كل أنواع التمييز الظالم من الحياة الإِجتماعية. وكما أسلفنا فإنّ الأمانة لا تنحصر في الأموال التي يودعها الناس - بعضهم عند بعض - بل العلماء في المجتمع هم أيضاً مستأمنون يجب عليهم أن لا يكتموا الحقائق، بل حتى أبناء الإِنسان وأولاده أمانات إِلهية لدى الآباء والأُمهات فلا يفرطوا في تربيتهم، ولا يقصروا في تأديبهم وتعليمهم، وإِلاّ كان ذلك خيانة في الأمانة الإِلهية التي أمر الله بأدائها، بل وفوق ذلك كلّه الوجود الإِنساني، فهو وجميع الطاقات المودوعة فيه "أمانات الله" التي يجب على الإِنسان أن يجتهد في المحافظة عليها، كما عليه أن يحافظ على صحّة جسمه وسلامة روحه، ويحافظ على طاقة الشباب الفياضة، وفكره، ولا يفرط فيها، ولهذا لا يجوز له أن ينتحر أو يلحق الضرر بنفسه، حتى أنّه يستفاد من بعض الأحايث والنصوص الإِسلامية إنّ علوم الإِمامة وأسرارها وودائعها التي يسلمها كل إِمام إِلى الإِمام الذي بعده داخلة في هذه الآية أيضاً(3). والجدير بالذكر، إنّ مسألة "أداء الأمانة" قدمت في هذه الآية على مسألة "العدالة" ولعلّ ذلك لأجل أنّ مسألة العدل في القضاء والحكم مترتبة دائماً على الخيانة، لأنّ الاصل هو أن أمناء بالأصالة، فإذا انحرف شخص أو أشخاص عن هذا الأصل وصل الدور إلى العدالة لتوّفقهم على مسؤولياتهم وتعرفهم بوظائفهم. أهميّة الأمانة والعدل في الإِسلام: لقد ورد تأكيد كبير على هذه المسألة في المصادر الإِسلامية إِلى درجة أنّنا قلّما نجد مثله في مورد غيره من الأحكام والمسائل، والأحاديث القصيرة التالية توضح هذه الحقيقة: 1 - عن الإِمام الصّادق (عليه السلام) أنّه قال: "لا تنظروا إِلى طول ركوع الرجل وسجوده فإِن ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش، ولكن انظروا إِلى صدق حديثه وأَداء أمانته"(4). 2 - جاء في حديث آخر عن الإِمام الصّادق(عليه السلام) أنّه قال: "إن عليّاً إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصدق الحديث وأداء الأمانة"(5). 3 - روي في حديث آخر عن الإِمام الصّادق(عليه السلام) أيضاً قال لأحد أصحابه: "أعلم أن ضارب علي بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثمّ قبلت ذلك منه لأديت إِليه الأمانة"(6). 4 - وفي روايات مروية في مصادر الشيعة والسنة عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) نلاحظ هذا الحديث السّاطع: "آية المنافق ثلاث: إِذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان"(7). 5 - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي(عليه السلام): "سوي بين أخصمين في لحظك ولفظك"(8). ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ يعم كل مكلف وكل أمانة وعنهم، (عليهم السلام) أنه أمر لكل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾ بالنصفة والسوية ﴿إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا﴾ لأقوالكم ﴿بَصِيرًا﴾ بأفعالكم.