وهذه الجملة (ذلك مبلغهم من العلم) يمكن أن تكون إشارةً إلى خرافاتهم كعبادة الأصنام وجعلهم الملائكة بنات الله: أي أنّ منتهى علمهم هو هذه الأوهام!.
أو أنّها إشارة إلى حبّ الدنيا والأسر في قبضة الماديات، أي أن؟ منتهى إدراكهم هو قناعتهم بالأكل والشرب والنوم والمتاع الفاني في هذه الدنيا وزبرجها وزخرفها الخ.
وقد جاء في الدعاء المعروف في أعمال شعبان المنقول عن رسول الله (ص)أنّه قال: "ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا"(1).
وتختتم الآية بالقول: (إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) ختام الآية يشير إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ الله يعرف الضالّين جيّداً كما يعرف المهتدين أيضاً، فيصبّ غضبه على الضالّين ويسبغُ لطفه على المهتدين، ويجازي كلاًّ بعمله يوم القيامة.
ملاحظة
رأس مال عبدة الدنيا:
الطريف أنّ الآيات الآنفة في الوقت الذي تنسب العلم لعبدة الدنيا، إلاّ أنّها تعدّهم ضالّين، وهذا يدلّ على أنّ العلوم التي لا تهدف إلى شيء سوى الماديّات فمن وجهة نظر القرآن ليست علوماً، بل هي الضلالة بعينها.
ومن الغريب أنّ كلّ هذه الشِقوة والحروب وسفك الدماء والظلم والتجاوز والفساد والتلوّث ناشىء من علوم الضلال هذه - ومن الذين منتهى ما توصّلت إليه علومهم حبّ الدنيا والحياة الفانية، ولا يتّسع اُفق متطلّباتهم لأكثر من متطلّبات الحيوان.
أجل، إنّ علوم "التقنية" والمسائل الحديثة إذا لم تكن تسعى لأهداف أسمى من الماديّات، فهي الجهل بعينه، وإذا لم تؤدّ إلى نور الإيمان فهي الضلال!.
﴿ذَلِكَ﴾ أي طلب التمتع بالدنيا ﴿مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ فلا اهتمام لهم إلا بالدنيا ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ فيجازي كلا بما يستحقه.