سبب النّزول
ذكر أغلب المفسّرين أسباباً لنزول الآيات أعلاه، إلاّ أنّها لا تنسجم كثيراً مع الآيات هذه، وما هو معروف بكثرة شأنان للنّزول:
1 - إنّ هذه الآيات ناظرة إلى "عثمان بن عفّان" حيث كانت لديه أموال طائلة وكان ينفق منها، فقال له بعض أرحامه وإسمه "عبدالله بن سعد": إذا واصلت إنفاقك فلا يبقى عندك شيء، فقال عثمان: لدي ذنوب واُريد أن أنال بإنفاقي رضا ربّي وعفوه.
فقال له عبدالله: إن أعطيتني ناقتك بما عليها من جهاز تحمّلت ذنوبك وجعلتها في رقبتي، ففعل عثمان وأشهده على ما اتّفق عليه وإمتنع من الإنفاق بعدئذ.
"فنزلت الآيات وذمّت هذا العمل بشدّة، وأوضحت أنّه لا يمكن لأحد أن يحمل وزر الآخر وكلّ ينال جزاء سعيه"(1).
2 - إنّ الآية في شأن "الوليد بن المغيرة" إذ جاء إلى النّبي (ص) وصبا إلى الإسلام فلامه بعض المشركين وقال: تركت ما كان عليه كبراؤنا وعددتهم ضلاّلا وظننت أنّهم من أهل النار! فقال إنّي أخاف من عذاب الله.
فقال له اللائم: إن أعطيتني شيئاً من مالك ورجعت إلى الشرك تحمّلت وزرك وجعلته في رقبتي! ففعل الوليد بن المغيرة ذلك إلاّ أنّه لم يُعط من المال المتّفق عليه إلاّ قليلا.
فنزلت الآية ووبّخته على إرتداده من الإيمان(2).
التّفسير
كلّ يتحمّل مسؤولية أعماله:
كان الكلام في الآيات السابقة في أن يجزي الله تعالى من أساء بإساءته ويثيب المحسنين بإحسانهم .. وبما أنّه من الممكن أن يتصوّر أن يعذّب أحد بذنب غيره أو أن يتحمّل أحد وزر غيره، فقد جاءت هذه الآيات لتنفي هذا التوهّم في المقام، وبيّنت هذا الأصل الإسلامي المهمّ أنّ كلاًّ يرى نتيجة عمله، فقالت أوّلا: (أفرأيت الذي تولّى) أي تولّى من الإسلام أو الإنفاق!؟
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى﴾ عن الحق.