(وأعطى قليلا وأكدى)(3) بمعنى أنّه أنفق القليل ثمّ إمتنع وأمسك وهو يظنّ أنّ غيره سيحمل وزره يوم القيامة .. فأيّ رجل جاءهم من الغيب و "القيامة" فأخبرهم بأنّه يمكن أخذ الرشوة وتحمّل آثام الآخرين؟ أو من جاءهم من قبل الله فأخبرهم بأنّ الله راض عن هذا التعامل إلاّ ما تدور في أذهانهم من أوهام؟ فهم يتّبعون ما يتوهّمون فراراً من تحمّل المسؤولية.
وبعد هذا تأتي الآية الاُخرى لتبيّن إعتراض القرآن الشديد على ذلك، وبيان لأصل كلّي مطّرد في الأديان السماوية كلّها فتقول: تُرى أهذا الذي إمتنع عن الإنفاق أو الإيمان بالوعود الخيالية.
ويريد أن يخلص نفسه من عذاب الله بإنفاقه اليسير والزهيد من أمواله، أتغنيه هذه الخيالات والتصوّرات: (أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفّى)(4).
"إبراهيم": هو ذلك النّبي العظيم الذي أدّى حقّ رسالة الله، وبلّغ ما أمره به ووفى بجميع عهوده ومواثيقه، ولم يخش تهديد قومه وطاغوت زمانه، ذلك الإنسان الذي امتُحن بمختلف الإمتحانات حتّى بلغ به أن يقدّم ولده ليذبحه بأمر الله، وخرج منتصراً مرفوع الرأس من جميع هذه الإمتحانات ونال المقام السامي لقيادة الاُمّة .. كما نقرأ هذا المعنى في الآية (124) من سورة البقرة إذ تقول: (وإذا إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للناس إماماً).
وقال بعض المفسّرين في توضيح معنى الآية: أنّه بذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للاُخوان(5).
﴿وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى﴾ وقطع العطاء