وتترك الآيات الكريمة مسألة الطوفان، لأنّ ما قيل فيها من الآيات السابقة يعتبر كافياً فتنتقل إلى سفينة نجاة نوح (ع) حيث يقول تعالى: (وحملناه على ذات ألواح ودسر).
(دسر) جمع (دِسار) على وزن (كتاب)، كما يقول الراغب في المفردات، أنّها في الأصل بمعنى الإبعاد أو النهر بشدّة مقترناً مع حالة عدم الرضا، ولكون المسمار عندما يتعرّض للطرق الشديد يدخل في الخشب وما شاكل فيقال له (دسار).
وذكر قسم من المفسّرين أنّ معنى هذه الكلمة هو (الحبل) مشيرين بذلك إلى حبال أشرعة السفينة وما إلى ذلك، والتّفسير الأوّل هو الأرجح نظراً لذكر كلمة (ألواح).
على كلّ حال، فإنّ التعبير القرآني هنا ظريف، لأنّه كما يقول الباريء عزّوجلّ بأنّنا وفي وسط ذلك الطوفان العظيم، الذي غمر كلّ شيء أودعنا أمر نجاة نوح وأصحابه إلى مجموعة من المسامير وقطع من الخشب، وأنّها أدّت هذه الوظيفة على أحسن وجه، وهكذا تتجلّى القدرة الإلهيّة العظيمة.
ويمكن أن يستفاد من هذا التعبير طبيعة البساطة التي كانت عليها سفن ذلك الزمان والتي هي بعيدة عن التعقيد والتكلّف قياساً مع السفن المتقدّمة في العصور اللاحقة.
ومع ذلك فإنّ سفينة نوح (ع) كان حجمها بالقدر المطلوب وطبق الحاجة، وطبقاً للتواريخ فإنّ نوح (ع) قد أمضى عدّة سنين في صنعها كي يتمكّن من وضع (من كلّ زوجين إثنين) من مختلف الحيوانات فيها.
ويشير سبحانه إلى لطف عنايته للسفينة المخصّصة لنجاة نوح (ع) حيث يقول سبحانه (تجري بأعيننا) أي أنّ هذه السفينة تسير بالعلم والمشيئة الإلهيّة، وتشقّ الأمواج العالية بقوّة وتستمر في حركتها تحت رعايتنا وحفظنا.
﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ ومسامير