لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي نهاية القصّة يؤكّد قوله سبحانه: (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) فهل هنالك من آذان صاغية وقلوب واعية لهذا النداء الإلهي والإنذار الربّاني؟. والنقطة الأخيرة الجديرة بالذكر هي تأكيد قوله سبحانه: (فكيف كان عذابي ونذر) حيث تكرّرت مرّتين: الاُولى: في بداية الحديث عن قصّة قوم عاد، والثانية: في نهايتها. ولعلّ سبب هذا الإختلاف بين قوم عاد والأقوام الاُخرى، أنّ عذاب قوم عاد كان أكثر شدّة وإنتقاماً، رغم أنّ جميع ألوان العذاب الإلهي شديد. بحث سعد الأيّام ونحسها: الشيء المتعارف بين الناس، هو أنّ بعض الأيّام سعيدة ومباركة، والبعض الآخر نحس ومشؤوم، مع وجود إختلاف كثير في تشخيصها. ويدور الحديث حول مدى قبولها إسلامياً، وهل أنّها مأخوذة من تعاليم الإسلام أم لا؟. من الناحية العقلية لا يعدّ إختلاف أجزاء الزمان من هذه الجهة محالا، بأن يتّصف بعضها بالنحوسة والاُخرى بالبركة والسعد. ولا نملك أي إستدلال عقلي لإثبات أو نفي هذا المعنى، ولهذا نستطيع القول: إنّ هذا الأمر بهذا القدر شيء ممكن، ولكنّه غير ثابت من الناحية العقلية. وبناءً على ذلك فإذا كانت لدينا دلائل شرعية لهذا المعنى ثبتت عن طريق الوحي فلا مانع من قبولها، بل الإلتزام بها. وحول (نحس الأيّام) تشير الآيات القرآنية مرّتين إلى هذا الموضوع، الاُولى في الآيات مورد البحث، والثانية: في قوله تعالى: (فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيّام نحسات)(3)(4). وفي مقابل "النحوسة" فإنّنا نلاحظ في بعض الآيات القرآنية تعبير (مبارك) كما في قوله تعالى حول ليلة القدر: (إنّا أنزلناه في ليلة مباركة).(5) وقلنا إنّ "نحس" مأخوذ في الأصل من صورة الإحمرار الشديد في الاُفق، الذي يشبه النار المتوهّجة الخالية من الدخان والتي يطلق عليها (النحاس). وبهذه المناسبة إستعمل في معنى الشؤم. ومن هنا نلاحظ أنّ القرآن الكريم لم يتطرّق لهذه المسألة إلاّ من خلال إشارة مغلقة فقط. لكنّنا حينما نقرأ في الكتب الإسلامية، يواجهنا العديد من الرّوايات في هذا المجال، مع العلم أنّ الكثير منها ضعيف، وأنّ البعض الآخر منها موضوع أو ملفّق، أو مشوب بالخرافات. وليست جميعاً كذلك، بل هناك ما هو معتبر منها وموضع إطمئنان كما يؤكّد المفسّرون صحّة ذلك من خلال تفسير الآيات أعلاه. ويذكر لنا المحدّث الكبير العلاّمة المجلسي روايات عديدة في هذا المجال في بحار الأنوار(6). وفي هذا المجال نستطيع إيراد الملاحظات التالية: أ - لقد ذكروا في روايات عديدة (سعد ونحس) الأيّام، وكذلك الحوادث التي وقعت فيها، حيث نقرأ في الرّواية التالية في أسئلة الشامي لأمير المؤمنين (ع) أنّه قال: (أخبرني عن يوم الأربعاء والتطيّر منه وثفله، وأي أربعاء هو)، قال (ع): "آخر أربعاء من الشهر، وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء أرسل الله عزّوجلّ الريح على قوم عاد"(7). ومن هنا فإنّ الكثير من المفسّرين يرتّبون أثراً على هذه الرّوايات، ويعتبرون أنّ آخر أربعاء من كلّ شهر هو يوم نحس، ويطلقون عليه (أربعاء لا تدور) أي لا تتكرّر. ونقرأ في بعض الرّوايات أنّ اليوم الأوّل من كلّ شهر هو سعد ومبارك، وذلك لأنّ آدم (ع) خلق في هذا اليوم، وكذلك فإنّ اليوم 26 من كلّ شهر يوم مبارك، حيث: (ضرب موسى فيه البحر فانفلق)(8). كما أنّ اليوم الثالث من كلّ شهر، هو يوم نحس، نُزع عن آدم وحواء لباسهما وأُخرجا من الجنّة(9). كما أنّ اليوم السابع من كلّ شهر هو يوم مبارك، لأنّ نوح (ع) قد ركب في السفينة (ونجا من الغرق)(10). ونقرأ في الحديث التالي عن الإمام الصادق (ع) في هذا المعنى حول يوم (النوروز) حيث يقول: "... يوم مبارك إستوت فيه سفينة نوح على الجودي، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرائيل على النبي، وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله أمير المؤمنين على منكبه حتّى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام فهشّمها ... وهو اليوم أمر النّبي أصحابه أن يبايعوا علياً بإمرة المؤمنين ..."(11). وقد إقترن سعد ونحس الأيّام بذكر بعض الوقائع التأريخية الحسنة والسيّئة كما في العديد من الرّوايات، فمثلا ما ذكر عن يوم عاشوراء الذي إعتبره الاُمويون يوم سعد لمّا حقّقوا فيه وبظنّهم من إنتصار على أهل البيت (عليهم السلام) ... نلاحظ الرّوايات تنهى بشدّة عن التبرّك في مثل هذا اليوم، كما تحذر من إدّخار الأقوات السنوية فيه، والإبتعاد عن أجواء الإحتفالات التي كان يقيمها الاُمويون في هذا اليوم وكذلك تؤكّد على تعطيل الأعمال فيه. ومن ملاحظة مجموعة الرّوايات السابقة، دفع البعض أن يفسّر مسألة سعد ونحس الأيّام على أنّها مجعولة من أجل شدّ المسلمين بهذه الحوادث التاريخيّة المهمّة، وحثّهم عمليّاً على تطبيق ما تستلزمه تلك الحوادث من التفاعل وما تفرزه من معطيات، وكذلك الإبتعاد عن محطّات الحوادث السيّئة وإجتناب سبلها. ويمكن أن يصدّق هذا التّفسير في قسم من هذه الرّوايات ولا يصدق على القسم الآخر منها، ذلك لأنّ المستفاد من البعض منها أنّ هنالك تأثيراً ملموساً في بعض الأيّام (إيجاباً وسلباً) وليس لنا تفسير أو علم لهذا التأثير. ب - ممّا يجدر الإنتباه إليه أنّ هنالك من يفرط في موضوع سعد ونحس الأيّام، بحيث إنّهم يمتنعون من الشروع بأي عمل إلاّ بالإعتماد على هذه الخلفية، وبذلك يفوتون عليهم فرصاً كثيرة يمكن الإستفادة منها. وبدلا من التعمّق في البحث الموضوعي الذي تحسب فيه حسابات الربح والخسارة والإستفادة من الفرص والتجارب الثرية ... فإنّهم يرجعون كسب الأرباح إلى سعد الأيّام والإنتكاسات والخسارة إلى شؤم الأيّام ... وهذا المنهج يعبّر عن الإنهزام من الواقع والهروب من الحقيقة والإفراط في التعليل الخرافي لحوادث الحياة الذي يجب أن نحذّره ونتجنّبه بشدّة. والجدير بنا في هذه المسائل أن لا نعطي آذاناً صاغية لأقوال المنجّمين والإشاعات المنتشرة في الأجواء الإجتماعية المتخلّفة، ولا لحديث اُولئك الذين يدّعون المعرفة المستقبلية لفأل الأشخاص، ونستمرّ في حياتنا العملية بجهد حثيث وخطى ثابتة وبالتوكّل على الله وبروح موضوعية بعيدة عن التأثّر بهذه الحكايات والأقاويل، ونستمدّ من الله وحده العون والرعاية. ج - إنّ مسألة الإهتمام بموضوع (سعد ونحس) الأيّام بالإضافة إلى أنّها ترشدنا للكثير من الحوادث التأريخيّة ذات العظة والعبرة، فإنّها أيضاً عامل للتوسّل بالله والتوجّه إلى رحاب عظمته السامقة، وإستمداد العون من ذاته القدسيّة، وهذا ما نلاحظه في روايات عديدة. ففي الأيّام النحسة مثلا نستطيع أن نطمئن نفسيّاً لممارستنا العملية وبكلّ تفاؤل وموفّقية، وذلك حينما ندعو الله ونطلب منه العون ونتصدّق على الفقراء، ونقرأ شيئاً من الآيات القرآنية ونتوكّل على الذات الإلهيّة المقدّسة. روي عن علي بن عمر العطّار، أنّه قال: دخلت على أبي الحسن العسكري يوم الثلاثاء، فقال: لم أرك أمس؟ قال: كرهت الحركة في يوم الإثنين، قال: "ياعلي من أحبّ أن يقيه الله شرّ يوم الإثنين، ليقرأ في أوّل ركعة من صلاة الغداة (هل أتى على الإنسان ...) ثمّ قرأ أبو الحسن: (فوقّاهم شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً)"(12). وفي هذا الصدد نقرأ الرّواية التالية أيضاً عن الحلبي عن أبي عبدالله الصادق (ع)، أيكره السفر في شيء من الأيّام المكروهة، الأربعاء وغيره؟ قال: "افتتح سفرك بالصدقة، واقرأ آية الكرسي إذا بدا لك"(13). وذكر أيضاً عن الحسن بن مسعود أحد أصحاب الإمام علي الهادي (ع) أنّه قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمّد (عليهما السلام)، وقد نكبت إصبعي، وتلقّاني راكب فصدم كتفي، ودخلت في زحمة فخرقوا عليّ بعض ثيابي. فقلت: كفانا الله شرّك من يوم فما أشأمك!، فقال (ع) لي: "ياحسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له". قال الحسن: فأناب إليّ عقلي، وتبيّنت خطأي، فقلت يامولاي: إستغفر لي. فقال (ع): "ياحسن، ما ذنب الأيّام حتّى صرتم تتشاءمون منها إذا جوزيتم بأعمالكم". قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً، وهي توبتي، يا ابن رسول الله. قال (ع): "والله ما ينفعكم ولكنّ الله يعاقبكم بذمّها على ما لا ذمّ عليها فيه، أما علمت ياحسن أنّ الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلا وآجلا؟". قلت: بلى يامولاي. قال (ع): "لا تعد ولا تجعل للأيّام صنعاً في حكم الله". قال الحسن: بلى يا ابن رسول الله(14). إنّ هذا الحديث الهامّ يشير إلى أنّ التأثير الممكن حصوله في الأيّام مردّه إلى أمر الله، وليس للأيّام تأثير مستقل على حياة الإنسان، ولابدّ من إستشعار لطف الله دائماً، الذي لا غنى لنا عنه أبداً، وبذلك لا ينبغي أن نتصوّر الحوادث التي هي بمثابة كفّارة لأعمالنا وسيآتنا غالبا على أنّها مرتبطة بتأثير الأيّام ونبرّيء أنفسنا منها، ولعلّ هذا البيان أفضل طريق للجمع بين الأخبار المختلفة في هذا الباب. ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾.