ولم يكتفِ هؤلاء المعاندون بإلقاء الشبهات العقائدية بين الناس، بل بلغت بهم الوقاحة والصلف وعدم الحياء حدّاً أنّهم تجرّؤوا على ملائكة الرحمن وضيوف النّبي الكريم المأمورين بعذاب هؤلاء القوم حينما دخلوا بيت لوط (ع)بصورة شباب وسيمين، حيث يقول سبحانه: (ولقد راودوه عن ضيفه) أي أنّهم طلبوا منه أن يضع ضيوفه تحت تصرّفهم.
لقد بلغ الألم الذي اعترى "لوطاً" (ع) حدّاً لا يطاق نتيجة هذا التصرّف القبيح والمخجل لقومه، وطلب بإصرار أن يكفّوا عن هذا السلوك المشين المخجل البعيد عن الشرف والحياء.
بل وأبدى إستعداده (ع) لتزويج بناته لهم - إن أعلنوا توبتهم - وهذه أعلى حالات المظلومية التي يتعرّض لها هذا النّبي الكريم من قبل قوم عديمي الحياء والإيمان والقيم الخيرة، كما في قوله سبحانه: (قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين).(6)
ولم يمض وقت طويل حتّى واجهت هذه الفئة المجرمة الباغية الجزاء الأوّلي لعملهم الإجرامي حيث يقول في ذلك سبحانه: (فطمسنا أعينهم فذقوا عذابي ونذر).
إنّ يد القدرة الإلهيّة إمتدّت لتنتقم من هؤلاء القوم المجرمين، وذلك بأن طمست على أعينهم، حيث يقول البعض بأنّ جبرائيل قد اُمر أن يخفق بجناحهم على عيونهم حيث فقدوا بصرهم حالا، وقيل أنّ بؤر أبصارهم قد أصبحت مستوية مع وجوههم.
ومع أنّ القرآن الكريم لم يبيّن من هم الأشخاص الذين راودوا (الملائكة) ضيوف النّبي الكريم لوط (ع)، إلاّ أنّ من الواضح أنّه لم يكن جميع القوم، بل أوباشهم الأكثر وقاحة وإجراماً الذين تسابقوا للقيام بهذا الجرم المشين، ولذا فإنّ العذاب الذي لحقهم في طمس عيونهم يفترض أن يكون عبرة للآخرين من قومهم.
وللأسف الشديد لم يكن هنالك من يتّعظ ويعتبر بهذا الدرس الإلهي البليغ، والذي كان مقدّمة للعذاب الإلهي المحتوم عليهم جميعاً.
ويقال: أنّ سبب تأخير العذاب على قوم لوط إلى الصبح، هو أنّ هذه الحادثة كانت قد وقعت قبل يوم، لذا فقد اُعطي لهؤلاء المعاندين مهلة ليلة اُخرى عسى أن يفكّروا في مصيرهم قبل نزول البلاء عليهم، ويعتبروا بهذه الثلّة السيّئة الحظّ ممّن فقدوا بصرهم.
وتذكر الرّواية أنّ الجناة الذين فقدوا بصرهم لم يتّعظوا أيضاً بما أصابهم، فقد توعّدوا آل لوط أن لا يبقوا منهم أحداً، وذلك في طريق عودتهم إلى بيوتهم وهم يتلمّسون الجدران ليهتدوا بواسطتها إلى أهليهم(7).
وجاءت الساعة المرتقبة حيث أمر الله بفنائهم وقلبت الزلزلة مدينتهم رأساً على عقب وصُبّ عليهم العذاب صبّاً مع أوّل خيط من أشعّة فجر ذلك اليوم، فتتمزّق أجسادهم وتتلاشى أبدانهم وتدمّر بيوتهم وتندثر قصورهم وتتحوّل إلى أنقاض وخرائب، وإذا بالمطر الحجري ينهمل عليهم ويطمس كلّ معالم الحياة لديهم حتّى لم يبق أي أثر لهم.
﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ﴾ ليفجروا بهم ﴿فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾ محوناها ﴿فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ أي قيل لهم ذلك.