وبعد ذكره سبحانه لنعمة القرآن التي لا مثيل لها ينتقل إلى أهمّ نعمة في الترتيب المذكور ويقول: (خَلَقَ الإنسان).
من الطبيعي أنّ المقصود هنا هو نوع الإنسان وليس آدم (ع) فقط، حيث سيتحدّث عنه سبحانه في الآيات اللاحقة بصورة مستقلّة، كما أنّه ليس المقصود بذلك النّبي محمّد (ص) مع العلم أنّ الرّسول محمّد (ص) هو أفضل وأعلى مصداق للإنسان.
وإطلاق كلمة (البيان) التي تأتي بعد خلق الإنسان دليل آخر على عمومية كلمة الإنسان، وبناءً على هذا فإنّ التفاسير الاُخرى التي ذكرت لم تكن صحيحة.
والحقيقة أنّ خلق الإنسان هذا الكائن الذي تتجمّع فيه كلّ عجائب الوجود، هذا الموجود الذي هو خلاصة الموجودات الاُخرى، هذا العالم الصغير الذي إندرج فيه العالم الكبير، لهو نعمة منقطعة النظير حيث إنّ كلّ بعد من أبعاد وجوده المختلفة نعمة كبيرة.
وبالرغم من أنّ بداية الإنسان ليست أكثر من نطفة لا قيمة لها، بل الأصحّ أنّ بدايته عبارة عن موجود مجهري يسبح في نطفة لا وزن لها، إلاّ أنّه في ظلّ الرعاية الإلهيّة يسير في مراحل التكامل بصورة يرتقي فيها إلى مقام أشرف موجود في عالم الخلق.
أنّ ذكر إسم "الإنسان" بعد "القرآن" هو الآخر يستوجب التأمّل، ذلك لأنّ القرآن الكريم يمثّل مجموعة أسرار الكون بصورة مدوّنة "الكتاب التدويني"، والإنسان هو خلاصة هذه الأسرار بصورة تكوينية "الكتاب التكويني"، كما أنّ كلّ واحدة منها هو صورة من هذا العالم الكبير.
﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ﴾ أي جنسه.