التّفسير
السماء رفعها ووضع الميزان:
هذه الآيات هي إستمرار لبيان النعم الإلهيّة التي جاء ذكر خمس منها في الآيات السابقة، حيث تحدّثت عن أهمّ الهبات التي منحها الله سبحانه.
وفي الآية مورد البحث يتحدّث سبحانه عن النعمة السادسة، ألا وهي نعمة خلق السماء حيث يقول: (والسماء رفعها).
(السماء) في هذه الآية سواء كانت بمعنى جهة العلو، أو الكواكب السماوية، أو جو الأرض (والذي يعني الطبقة العظيمة من الهواء والتي تحيط بالأرض كدرع يقيها من الأشعّة الضارّة والصخور السماوية وحرارة الشمس، والرطوبة المتصاعدة من مياه البحار لتتكوّن الغيوم وتنزل الأمطار) ...
إنّ كلّ واحدة من هذه المعاني هبة عظيمة ونعمة لا مثيل لها، وبدونها تستحيل الحياة أو تصبح ناقصة.
نعم إنّ النور الذي يمنحنا الدفء والحرارة والهداية والحياة والحركة يأتينا من السماء وكذلك الأمطار، والوحي أيضاً، وبذلك فإنّ للسماء مفهوماً عامّاً، ماديّاً ومعنوياً).
وإذا تجاوزنا كلّ هذه الاُمور، فإنّ هذه السماء الواسعة مع كلّ عوالمها هي آية عظيمة من آيات الله، وهي أفضل وسيلة لمعرفة الله سبحانه، وعندما يتفكّر أُولو الألباب في عظمتها فسوف يقولون دون إختيار (ربّنا ما خلقت هذا باطلا).(1)
ثمّ يستعرض سبحانه النعمة السابعة حيث يقول تعالى: (ووضع الميزان).
"الميزان" كلّ وسيلة تستعمل للقياس، سواء كان قياس الحقّ من الباطل، أو العدل من الظلم والجور، أو قياس القيم وقياس حقوق الإنسان في المراحل الإجتماعية المختلفة.
و (الميزان) يشمل كذلك كلّ نظام تكويني ودستور إجتماعي، لأنّه وسيلة لقياس جميع الأشياء.
و "الميزان" لغة: (المقياس) وهو وسيلة لوزن الأجسام الماديّة المختلفة، إلاّ أنّ المقصود في هذه الآية، - والذي ذكر بعد خلق السماء - أنّ لها مفهوماً واسعاً يشمل كلّ وسيلة للقياس بما في ذلك القوانين التشريعيّة والتكوينية، وليس وسيلة منحصرة بقياس الأوزان الماديّة فقط.
ومن هنا فلا يمكن أن تكون الأنظمة الدقيقة لهذا العالم، والتي تحكم ملايين الأجرام السماوية بدون ميزان وقوانين محسوبة.
وعندما نرى في بعض العبارات أنّ المقصود بالميزان هو "القرآن الكريم"، أو "العدل"، أو "الشريعة"، أو "المقياس".
ففي الحقيقة إنّ كلّ واحدة من هذه المعاني مصداق لهذا المفهوم الواسع الشامل.
﴿وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ أثبت العدل الذي قامت به السموات والأرض أو آلة الوزن للعدل بينكم.