ثمّ يتحدّث سبحانه عن النعمة الحادية عشرة والثانية عشرة حيث يقول سبحانه: (والحبّ ذو العصف والريحان).
الحبوب مصدر أساسي لغذاء الإنسان، وأوراقها الطازجة واليابسة هي غذاء للحيوانات التي هي لخدمة الإنسان، حيث يستفيد من حليبها ولحومها وجلودها وأصوافها، وبهذا الترتيب فلا يوجد شيء فيها غير ذي فائدة.
ومن جهة اُخرى، فإنّ الله تعالى خلق الأزاهير المعطّرة والورود التي تعطّر مشام الجسم والروح وتبعث الإطمئنان والنشاط، ولذا فإنّ الله سبحانه قد أتمّ نعمه على الإنسان.
(الحبّ) يقال لكلّ نوع من أنواع الحبوب.
(عَصْفْ) على وزن "حرب" بمعنى الأوراق والأجزاء التي تنفصل عن النبات وينشرها الهواء في جهات مختلفة، ويقال لها التبن أيضاً.
وذكروا أنّ "للريحان" معاني عديدة من جملتها النباتات المعطّرة، وكذلك كلّ رزق، والمعنى الأوّل هو الأنسب هنا.
وبعد ذكر هذه النعم العظيمة (المادية والمعنوية) ينقلنا في آخر آية من البحث مخاطباً الجنّ والإنس بقوله تعالى: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان) حيث يلفت نظرهم إلى كلّ هذه النعم الكبيرة التي شملت كلّ مجالات الحياة وكلّ واحدة منها أثمن وأعظم من الاُخرى ... ألا يدلّ كلّ هذا على لطف وحنان الخالق ...
فكيف يمكن التكذيب بها إذاً؟
إنّ هذا الإستفهام إستفهام تقريري جيء به في مقام أخذ الإقرار، وقد قرأنا في بداية السورة رواية تؤكّد على ضرورة تعقيبنا بهذه العبارة (لا شيء من آلائك ربّي اُكذّب) بعد كلّ مرّة نتلو فيها الآية الكريمة: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان).
وبالرغم من أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن الإنسان فقط، ولم يأت حديث عن طائفة (الجنّ) إلاّ أنّ الآيات اللاحقة تبيّن أنّ المخاطب في ضمير التثنية هم (الجنّ) كما سنرى ذلك.
﴿وَالْحَبُّ﴾ كالحنطة والشعير ﴿ذُو الْعَصْفِ﴾ ورق الزرع اليابس والتين ﴿وَالرَّيْحَانُ﴾ الرزق أو المشموم.