لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وعلى كلّ حال، فإنّ الله تعالى يضع (الإنس والجنّ) في هذه الآية مقابل الحقيقة التالية: وهي ضرورة التفكّر في النعم الإلهيّة السابقة التي منحها الله لكم وتسألون أنفسكم وعقولكم هذا السؤال: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان) فإن لم تكذّبوا بهذه النعم، فلماذا تتنكّرون لوليّ نعمتكم؟ ولماذا لا تجعلون شكره وسيلة لمعرفته؟ ولماذا لا تعظّمون شأنه؟ إنّ التعبير بـ (أي) إشارة إلى أنّ كلّ واحدة من هذه النعم دليل على مقام ربوبية الله ولطفه وإحسانه، فكيف بها إذا كانت هذه النعم مجتمعة؟ تعقيب 1 - معرفة النعم طريق لمعرفة الله: إذا تأمّلنا قليلا النعم التي سبق وأن تناولتها الآيات الكريمة: (نعمة القرآن، وخلق الإنسان، وتعليم البيان، والحساب المنظّم للزمان، خلق النباتات ومختلف الأشجار، وحاكمية السماء والسنن والقوانين، وخلق الأرض بخصوصياتها المتعدّدة، وخلق الفاكهة والنخل والحبوب والورود والنباتات المعطّرة ...) مع جميع جزئياتها والأسرار الخفيّة في كلّ واحدة منها لكانت كافية لأن تبعث الإحساس بالشكر في الإنسان وتدفعه إلى معرفة مبدىء هذه النعم وهو الله سبحانه. ولهذا السبب فإنّ الله تعالى يأخذ الإقرار من عباده بعد ذكر كلّ واحدة من هذه النعم، وتتكرّر الآية في الآيات اللاحقة أيضاً، وبعد ذكر نعم اُخرى، بحيث يصبح عددها 31 مرّة. إنّ هذا التكرار ليس فقط لا يتنافى مع الفصاحة، بل إنّه فنّ من فنونها، ويشبه هذا الأمر التكرار الذي يؤكّده الأب لإبنه الذي يغفل عن وصاياه بصورة مستمرّة، فيخاطبه بصيغ مختلفة تأكيداً لعدم الغفلة والنسيان حيث يقول له: أنسيت ياولدي ضعفك وطفولتك؟ أتعرف كم من الجهد بذلت من أجل تنميتك وتربيتك. أنسيت ياولدي كم أحضرت من الأطباء الأخصائيين يوم مرضك، وكم بذلت سعياً وجهداً في ذلك. أنسيت ياولدي حينما بلغت سنّ الشباب ما بذلته من جهد في زواجك حيث إنتخبت لك زوجة من أكثر النساء عفّة وطهراً؟ أنسيت ياولدي جهدي في مسألة إعداد بيتك ومستلزماته؟ ... فإذا لم تنس كلّ هذا فلماذا العناد والطغيان والقسوة وعدم الوفاء إذاً؟ إنّ الله تعالى يذكّر عباده الغافلين بصورة مستمرّة بنعمه المختلفة، وهكذا يسألهم بعد كلّ نعمة من هذه النعم (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان)، فلماذا هذا العصيان والطغيان في حين أنّ طاعتي هي رمز لتكاملكم وتقدّمكم، وإنّ هذا ينفعكم ولن ينفع الله شيئاً؟! 2 - مسألة النظم والحساب في الحياة: يوجد في جسم الإنسان أكثر من عشرين عنصراً معدنياً، وكلّ واحد منها بكيفية خاصّة وكمية معيّنة، وإذا ما حصل أقل تغيّر في مقاديرها ونسبها فإنّ حياتنا تكون في خطر، فمثلا في فصل الصيف إذا تعرّق الإنسان أكثر من اللازم عندئذ يصاب بالصدمة التي قد تؤدّي إلى الموت والسبب في ذلك بسيط جدّاً، وهو نقص ماء الجسم وأملاح الدم وعلاجه لا يكون إلاّ بشرب الماء وتناول الأملاح الإضافية. هذا نموذج بسيط من النظم والحساب في تركيب جسمنا، كما نلاحظ أحياناً أنّ دقّة المقاييس في تركيب مخلوقات أدقّ وأظرف كالخلايا، وأدقّ منها عالم الذرّات تكون إلى درجة من الدقّة بحيث تقاس بـ (واحد على الألف) وأحياناً بـ (واحد على المليون) من الملمتر أو الملغرام، حيث أنّ العلماء اضطرّوا لحساب هذه الموازين الدقيقة إلى الإستعانة بالعقول الألكترونية. هذا في النظام الكوني، والأمر كذلك في الاُمور الإجتماعية، حيث أنّ أي إنحراف في تطبيق قوانين العدل قد يؤدّي إلى فناء شعب. وقد بيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة قبل أربعة عشر قرناً وذكر كلّ ما يستحقّ الذكر بهذا الصدد حيث يقول سبحانه: (والسماء رفعها ووضع الميزان ألاّ تطغوا في الميزان). لقد جعل الله سبحانه الطغيان والتمرّد على القوانين الشرعية، مقارناً مع الطغيان والتمرّد على القوانين الكونية التي تحكم الوجود كلّه، إنّه تصوير رائع إستعمله القرآن الكريم عن عالم الوجود تارةً، وعالم الإنسان اُخرى، كما ورد في الآيات الكريمة. وليس هذا فحسب، بل إنّه سبحانه شمل بوصفه هذا عالم الآخرة (يوم الحساب) ونصب الموازين، بل وحتّى طبيعة الحساب والموازين حيث إنّها من الدقّة على قدر عجيب!... ولهذا السبب فقد اُمرنا - كما ورد ذلك في الرّوايات الإسلامية - أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب وأن نزنها قبل أن توزن. "وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا". ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ خطاب للثقلين بدلالة الأنام أو أيها الثقلان عليهما وكررت تجديدا كتذكير الناسي وتنبيه الساهي.