التّفسير
الصلصال وخلق الإنسان:
إنّ الله تعالى بعد ذكره للنعم السابقة والتي من جملتها (خَلق الإنسان)، يتعرّض في الآيات مورد البحث إلى شرح خاص حول خلق الإنس والجنّ كدليل على قدرته العظيمة، من جهة وموضع درس وعبرة للجميع من جهة اُخرى، فيقول سبحانه: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار).
"صلصال" في الأصل معناه (ذهاب ورجوع أو تردّد الصوت في الأجسام الصلبة) ثمّ اُطلقت الكلمة على الطين اليابس الذي يخرج صوتاً، كما تطلق (الصلصلة) على الماء المتبقّي في الوعاء، لأنّه يخرج صوتاً عند حركته في الوعاء.
ويفسّر البعض كلمة (صلصال) بمعنى الطين الخبيث الرائحة، إلاّ أنّ المعنى الأوّل هو الأشهر والأعرف.
"فخار" من مادّة (فخر) بمعنى الشخص الذي يفخر كثيراً، ولكون الأشخاص الذين يعيشون الفراغ في شخصياتهم ومعنوياتهم يكثرون الثرثرة والإدّعاء عن أنفسهم، فإنّ هذه الكلمة تستعمل لكلّ إناء من الطين أو "الكوز"، وذلك بسبب الأصوات الكثيرة التي يولّدها(1).
ومن هنا يستفاد بوضوح من الآيات القرآنية المختلفة حول مبدأ خلق الإنسان، أنّه كان من التراب إبتداءً، قال تعالى: (فإنّا خلقناكم من تراب).(2) ثمّ خرج مع الماء وأصبح طيناً.
(هو الذي خلقكم من طين).(3) ثمّ أصبح بصورة طين خبيث الرائحة (إنّي خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون).(4) ثمّ أصبح مادّة في حالة لاصقة، (إنّا خلقناهم من طين لازب).(5) ومن ثمّ يتحوّل إلى حالة يابسة ويكون من (صلصال كالفخار)كما ذكر في الآية مورد البحث.
هذه المراحل كم تستغرق من الوقت؟ وكم هي المدّة التي يتوقّف فيها الإنسان في كلّ مرحلة من هذه المراحل؟، وفي أي ظروف تحدث هذه التطوّرات؟
هذه المسائل خفيت عن علمنا وإدراكنا، والله وحده هو العالم بها فقط.
ومن الواضح أنّ هذه التعابير تبيّن حقيقة ترتبط إرتباطاً وثيقاً مع الاُمور التربوية للإنسان، حيث أنّ المادّة الأوّلية في خلق الإنسان هي مادّة لا قيمة لها، ومن أحقر المواد على الأرض، إلاّ أنّ الله تعالى قد خلق من تلك المادّة الحقيرة مخلوقاً ذا شأن، بل يمثّل قمّة المخلوقات على وجه الأرض، حيث أنّ القيمة الواقعيّة للإنسان هي الروح الإلهية (النفخة الربّانية) فيه، والتي ذكرت في الآيات القرآنية الاُخرى (كما في سورة الحجر / 29) وذلك ليعرف الإنسان قيمته الحقيقيّة في عالم الوجود ويسير في طريق التكامل على بيّنة من أمره.
﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ﴾ آدم ﴿مِن صَلْصَالٍ﴾ طين يابس إذا نقر صلصل أي صوت ﴿كَالْفَخَّارِ﴾ كالخزف.