لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ومرّة اُخرى - بعد هذه النعم المستمرّة والإجابة لإحتياجات جميع خلقه من أهل السماوات والأرض يكرّر قوله سبحانه: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان). بحوث 1 - ما هي حقيقة الفناء؟ ما مرّ بنا في الآيات السابقة وهو أنّ "الكلّ يفنى إلاّ الله" ليس بمعنى الفناء المطلق، وأنّ روح الإنسان تفنى أيضاً أو أنّ التراب الناشيء من بدنه بعد الموت سينعدم أيضاً. إذ أنّ الآيات القرآنية صرّحت بوجود عالم البرزخ إلى يوم القيامة(6). ومن جهة اُخرى فإنّ الله سبحانه يذكر لمرّات عدّة أنّ الموتى يخرجون من قبورهم يوم القيامة(7). ويذكر سبحانه في آية اُخرى أنّ رميم العظام يلبس الحياة مرّة اُخرى بأمر الله(8). وهذه الآيات كلّها شاهد على أنّ الفناء في الآية والآيات الاُخرى بمعنى إضطراب نظام الجسم والروح وقطع الإرتباط بينهما وإضطراب عالم الخلقة كذلك، وحلول عالم جديد محلّ العالم السابق. 2 - إستمرار الخلق والإبداع قلنا: إنّ الآية الكريمة: (كلّ يوم هو في شأن) تدلّ على دوام الخلقة وإستمرارالخلق، وأنّها مبعث أمل من جهة، ونافية للغرور من جهة اُخرى، لذا فانّ القادة الإسلاميين يعتمدون عليها كثيراً لبعث الأمل في النفوس، كما نقرأ ذلك في تبعيد الصحابي الجليل "أبي ذرّ الغفاري" إلى (الربذة) حيث يذكر التاريخ أنّ علياً (ع)جاء لتوديعه فواساه بكلمات مؤثّرة، ثمّ أعقبه إبنه الإمام الحسن (ع) حيث خاطب آباذر(رضي الله عنه) بقوله "ياعمّاه" تكريماً له وأعقبه أخوه سيّد الشهداء الإمام الحسين (ع) بقوله لأبي ذرّ: "ياعمّاه إنّ الله تعالى قادر على أن يغيّر ما قد ترى. الله كلّ يوم في شأن، وقد منعك هؤلاء القوم دنياهم ومنعتهم دينك فاسأل الله الصبر والنصر(9)...ونقرأ أيضاً أنّ الإمام الحسين (ع) وهو في طريقه إلى كربلاء لقي الشاعر "الفرزدق" عند (صفاح) فسأله الإمام (ع) عن خبر الناس خلفه - إشارة إلى أهل العراق - فقال: الخبير سألت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء. فقال الإمام الحسين (ع): (صدقت لله الأمر يفعل ما يشاء وكلّ يوم ربّنا في شأن)(10). وكلّ ذلك يرينا أنّ هذه الآية هي آية باعثة للأمل في نفوس المؤمنين. وثمّة قصّة اُخرى في هذا الصدد حيث ذكروا أنّ أحد الاُمراء سأل وزيره عن تفسير هذه الآية، إلاّ أنّ الوزير أعلن عن عدم علمه بها وطلب مهلة ليوم غد، ورجع إلى البيت محزوناً، وكان لديه غلام أسود ذو علم ومعرفة، فسأله عمّا به، فحدّث غلامه بالقصّة، فأجابه: إذا ذهبت إلى الأمير فأخبره إذا كان يرغب في معرفة تفسير هذه الآية فأنا مستعدّ لذلك ... فطلبه الأمير وسأله، فأجابه الغلام: ياأمير، شأنه يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويخرج الحيّ من الميّت، ويخرج الميّت من الحيّ، ويشفي سقيماً، ويسقم سليماً، ويبتلي معافى، ويعافي مبتلى، ويعزّ ذليلا، ويذلّ عزيزاً، ويفقر غنيّاً، ويغني فقيراً .. فقال الأمير: "فرّجت عنّي فرّج الله عنك" ثمّ أكرمه وأنعمه(11). 3 - الحركة الجوهرية بعض المؤيديّن للحركة الجوهرية يستدلّون لإثبات مرادهم بالآيات القرآنية أو يعتبرونها إشارة لمقصودهم، ومن ضمن ما يستشهدون به الآية الكريمة: (كلّ يوم هو في شأن). التوضيح: يعتقد الفلاسفة القدماء أنّ للحركة أربع مقولات عرضية هي: (أين، كيف، كم، وضع). وبتعبير أوضح أنّ حركة الجسم تكون بتغيير مكانه وذلك بإنتقاله، وهذه هي مقولة (الأين)، أو بنموّه أو زيادة كيمّته وهذه مقولة "الكم". أو تغيّر اللون والطعم والرائحة (كشجرة التفاح) وهذا المقصود من "الكيف"، أو أن يدور في مكانه حول نفسه كالحركة الوضعية للأرض وهذا ما يراد به من "الوضع". وقد كان سائداً أنّ الحركة غير ممكنة في جوهر وذات الجسم أبداً، لأنّه في كلّ حركة يجب أن تكون ذات الجسم المتحرّك ثابتة، إلاّ أنّ عوارضه قد تتغيّر، فالحركة لا تتصوّر في ذات الشيء وجوهره، بل في اعراضه. لكنّ الفلاسفة المتأخرّين رفضوا هذه النظرية واعتقدوا بالحركة الجوهرية، وقالوا: إنّ أساس الحركة هي الذات، الجوهر، والتي تظهر آثارها في العوارض. وأوّل شخص طرح هذه النظرية بشكل تفصيلي إستدلالي هو المولى صدر الدين الشيرازي حيث قال: إنّ كلّ ذرّات الكائنات وعالم المادّة في حركة دائبة، أو بتعبير آخر: إنّ مادّة الأجسام وجود سيّال متغيّر الذات دائماً، وفي كلّ لحظة له وجود جديد يختلف عن الوجود السابق له، ولكون هذه التغيّرات متّصلة مع بعضها فإنّها تحسب شيئاً واحداً، وبناءً على هذا فإنّ لنا في كلّ لحظة وجوداً جديداً، إلاّ أنّ هذه الوجودات متصلة ومستمرة ولها صورة واحدة، أو بتعبير آخر: إنّ المادة لها أربعة أبعاد (طول وعرض وعمق وأمّا البعد الآخر فهو ما نسمّيه (الزمان) وهذا الزمان ليس بشيء إلاّ مقدار الحركة في الجوهر) لاحظوا جيّداً. وممّا يجدر ذكره أنّ الحركة الجوهرية لا ترتبط بمسألة الحركة في داخل الذرّة لأنّها حركة وضعية وعرضية، أمّا الحركة في الجوهر فلها مفهوم عميق جدّاً تشمل الذات والجوهر. والعجيب هنا أنّ المتحرّك هو نفس الحركة. ولإثبات هذا المقصود فإنّهم يستدلّون بدلائل عديدة لا مجال لذكرها هنا، إلاّ أنّه لا بأس بالإشارة إلى نتيجة هذا الرأي الفلسفي وهو أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ إدراكنا لمسألة معرفة الله أوضح من أي زمان، لأنّ الخلق والخلقة لم تكن في بداية الخلق فحسب، بل إنّها في كلّ ساعة وكلّ لحظة، وإنّ الله سبحانه مستمر في خلقه، ونحن مرتبطون به دائماً ومستفيضون من فيض ذاته وهذا معنى (كلّ يوم هو في شأن). ومن الطبيعي أن لا مانع من أن يكون هذا المفهوم جزءاً من المفهوم الواسع للآية الكريمة. ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.