لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ويختم السورة سبحانه بهذه الآية الكريمة: (تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام). "تبارك" من أصل (برك) على وزن (درك) بمعنى صدر البعير، وذلك لأنّ الجمال حينما تبرك تضع صدرها على الأرض أوّلا، ومن هنا إستعمل هذا المصطلح بمعنى الثبات والدوام والإستقامة، لذا فإنّ كلمة (مبارك) تقال للموجودات الكثيرة الفائدة، وأكرم من تطلق عليه هذه الكلمة هي الذات الإلهيّة المقدّسة بإعتبارها مصدراً لجميع الخيرات والبركات. وإستعملت هذه المفردة هنا لأنّ جميع النعم الإلهيّة - سواء كانت في الأرض والسماء في الدنيا والآخرة والكون والخلق - فهي من فيض الوجود الإلهي المبارك، لذا فإنّ هذا التعبير من أنسب التعابير المذكورة في الآية لهذا المعنى. والمقصود من (اسم) هنا هو صفات الله تعالى خصوصاً الرحمانية التي هي منشأ البركات، وبتعبير آخر فإنّ أفعال الله تعالى مصدرها من صفاته، وإذا خلق عالم الوجود فذلك من إبداعه ونظام خلقه، وإذا وضع كلّ شيء في ميزان فذلك ما أوجبته حكمته، وإذا وضع قانون العدالة حاكماً على كلّ شيء فإنّ (علمه وعدالته) توجبان ذلك. وإذا عاقب المجرمين بأنواع العذاب الذي مرّ بنا في هذه السورة فإنّ (إنتقامه يقضي ذلك، وإذا شمل المؤمنين الصالحين بأنواع الهبات والنعم العظيمة الماديّة والمعنوية - في هذا العالم وفي الآخرة - فإنّ رحمته الواسعة أوجبت ذلك، وبناءً على هذا فإنّ اسمه يشير إلى صفاته وصفاته هي نفس ذاته المقدّسة. والتعبير بـ (ذي الجلال والإكرام) إشارة إلى كلّ صفات جماله وجلاله. (ذي الجلال) إشارة إلى الصفات السلبية، و (ذي الإكرام) إشارة إلى الصفات الثبوتية. والملفت للنظر هنا أنّ هذه السورة بدأت باسم الله (الرحمن) وإنتهت باسم الله ذي الجلال والإكرام) وكلاهما ينسجمان مع مجموعة مواضيع السورة. ملاحظات 1 - في الآية رقم (37) من هذه السورة بعد ذكر النعم الإلهيّة المختلفة المعنوية والماديّة في الدنيا يقول سبحانه: (ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام). وفي نهاية السورة وبعد ذكر أنواع النعم الاُخروية يقول سبحانه: (تبارك اسم ربّك ذو الجلال والإكرام). إنّ هاتين الآيتين توضّحان حقيقة مهمّة وهي أنّ جميع الخطوط تنتهي إلى ذاته المقدّسة، وأنّ جميع ما في الوجود مصدره الله سبحانه، فالدنيا منه، والعقبى كذلك، وإنّ جلاله وإكرامه قد شمل كلّ شيء. 2 - ونقرأ في حديث للرسول الأعظم (ص) أنّ رجلا كان يدعو الله في حضرته حيث قال: "ياذا الجلال والإكرام فقال (ص): قد استجيب لك فسل(8). وجاء في حديث آخر أنّ الرّسول (ص) شاهد رجلا يقيم الصلاة حيث دعا بعد الركوع والسجود والتشهّد بهذا الدعاء: اللهمّ انّي أسألك بأنّ لك الحمد، لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، المنّان بديع السماوات والأرض ياذا الجلال والإكرام ياحي ياقيّوم انّي أسألك ... فقال (ص): لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى"(9). 3 - نقرأ في حديث للإمام الباقر (ع) في تفسير الآية: (تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام) أنّه قال: "نحن جلال الله وكرامته التي أكرم العباد بطاعتنا"(10). ومن الواضح أنّ أهل البيت (عليهم السلام) لا يدعون لغير الله، ولا يأمرون بغير طاعته وهم هداة الطريق إليه، وسفن النجاة في بحر الحياة المتلاطم. وبناءً على هذا، فإنّهم يمثّلون مصاديق جلال الله وإكرامه، لأنّ الله تعالى قد شمل الناس بنعمة الهداية بواسطة أوليائه. 4 - ذكر البعض أنّ أوّل آيات قرئت في مكّة على قريش علناً هي الآيات الأوائل لهذه السورة يقول عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: إجتمع يوماً أصحاب رسول الله فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ. فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبدالله بن مسعود: أنا، قالوا: إنّا نخشاهم عليك، إنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإنّ الله سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتّى أتى المنام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتّى قام عند المقام ثمّ قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) رافعاً بها صوته: (الرحمن علّم القرآن) قال: ثمّ إستقبلها يقرؤها قال: فتأمّلوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن اُمّ عبد؟ قال: ثمّ قالوا: إنّه ليتلو بعض ما جاء به محمّد فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتّى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثمّ إنصرف إلى أصحابه وقد أثّروا في وجهه. فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأُغادينّهم بمثلها غداً، قالوا: لا حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون(11). ولهذا السبب فقد إعتبر ابن مسعود أوّل مسلم جهر بالقرآن في مكّة أمام المشركين(12). ربّنا، ياذا الجلال والإكرام، نقسم عليك بجلالك وإكرامك ألاّ تحرمنا من نعم وهبات الجنّة. ربّاه، إنّ دائرة رحمتك واسعة جدّاً، وإنّنا لم نعمل عملا يليق برحمتك، فعاملنا بما يليق بمقام رحمانيّتك. إلهنا، نحن لا نكذّب أيّاً من نعمك، ونعتبر أنفسنا غارقين بإحسانك دائماً، فأدم نعمك علينا. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة الرحمن ﴿تَبَارَكَ﴾ تعالى ﴿اسْمُ رَبِّكَ﴾ تعالى مسماه وقيل الاسم مقحم ﴿ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾.