إنّهم لم يكتفوا بما ذكروا وذهبوا إلى أكثر من ذلك حيث قالوا بتعجّب: (أو آباؤنا الأوّلون)(6) الذين لم يبق منهم أثر وتناثرت كلّ ذرّة من تراب أجسادهم في جهة، أو أصبحت جزءاً من بدن كائن آخر؟
ولكن، كما قيل مفصّلا في نهاية سورة ياسين، فإنّ هذه التساؤلات وغيرها ليست سوى حجج واهية أمام الدلائل القويّة المتوفّرة حول مسألة المعاد.
ثمّ إنّ القرآن الكريم يأمر الرّسول الأكرم (ص) أن يجيبهم: (قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم)(7).
"ميقات" من مادّة (وقت) بمعنى الزمان الذي يحدّد لعمل ما أو موعد.
والمقصود من الميقات هنا هو نفس الوقت المقرّر للقيامة، حيث يجتمع كلّ البشر للحساب، ويأتي أحياناً كناية عن المكان الذي عين لإنجاز عمل معيّن، مثل مواقيت الحجّ، التي هي أسماء أماكن خاصّة للشروع بالإحرام.
ويستفاد من التعابير المختلفة التي وردت في الآية السابقة والتأكيدات العديدة حول مسألة الحشر، مثل: (إنّ، اللام، "مجموعون" التي جاءت بصيغة إسم مفعول، ووصف "يوم" بأنّه معلوم) ممّا يكون واضحاً ومؤكّداً أنّ حشر جميع الناس ينجز في يوم واحد، وجاء هذا المعنى في آيات قرآنية اُخرى أيضاً(8).
ومن هنا يتّضح جيّداً أنّ الذين كانوا يتصوّرون أنّ القيامة تقع في أزمنة متعدّدة حيث إنّ لكلّ اُمّة قيامة، هم غرباء عن آيات الله تماماً.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ معلومية يوم القيامة هي عند الله فقط، وإلاّ فإنّ جميع البشر بما فيهم الأنبياء والمرسلون والمقرّبون والملائكة ليس لهم علم بتوقيتها.
﴿أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾.