(أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون).
"مزن": على وزن (حزن) كما يقول الراغب في المفردات تعني (الغيوم البيضاء) وفسّرها البعض بأنّها (الغيوم الممطرة)(1).
إنّ هذه الآيات تجعل الوجدان الإنساني أمام إستفسارات عدّة كي تأخذ إقراراً منه، حيث يسأل الله سبحانه: هل فكّرتم بالماء الذي تشربونه بإستمرار والذي هو سرّ حياتكم؟
وهل تدبّرتم من الذي يأمر الشمس بالشروق على صفحات المحيط حيث تفصل جزئيات الماء الخالص الحلو والطاهر من بين المياه المالحة؟
وهل علمتم من الذي يحمل هذا البخار نحو السماء؟
ومن الذي يأمر البخار بالتجمّع وتشكيل غيوم الأمطار؟
ومن الذي يأمر الرياح بالتحرّك وحمل الغيوم إلى الأراضي القاحلة والميتة؟
ومن الذي يمنح للطبقات العليا في الجوّ هذه الخاصيّة من البرودة بحيث تمنح إستمرار صعود البخار نحو الأعلى، كي يتحوّل البخار إلى قطرات صغيرة وملائمة تسقط على الأرض بهدوء وتعاقب؟
وهل نعلم ماذا سيحدث لو إنقطعت الشمس عن الشروق لمدّة سنة واحدة؟
أو توقّفت الرياح عن التحرّك؟
أو رفضت الطبقات العليا حفظ البخار من الصعود إلى الأعلى؟
أو حبسته من النّزول إلى الأرض؟
لا شكّ أنّ الذي سيحدث يمثّل كارثة، حيث يموت الزرع والنخيل وتهلك مزارعكم وحدائقكم وحيواناتكم، بل ستهلكون أنتم من الظمأ أيضاً.
إنّ القوّة التي أعطت هذه القدرة ومنحت كلّ هذه النعم والبركات العظيمة، بما أودعته من قوانين ونظم في عالم الخلق، أتظنّون أنّها غير قادرة على إحياء الموتى؟
وهل أنّ إحياء الموتى غير هذا؟
أليس إحياء الأراضي الميتة نوعاً من أنواع إحياء الموتى؟
نعم، إنّه دليل على ذلك، وهو دليل على التوحيد وعظمة القدرة الإلهيّة، ودليل أيضاً على الحشر والمعاد.
وإذا لاحظنا في الآيات أعلاه عملية إستعراض لماء الشرب - فقط - وعدم التحدّث عن تأثيره في حياة الحيوانات أو النباتات فإنّ السبب هو الأهميّة البالغة للماء في حياة الإنسان نفسه، بالإضافة إلى أنّه قد اُشير له في الآيات السابقة في الحديث الزرع، لذا لا حاجة لتكرار ذلك.
والطريف هنا أنّ أهميّة الماء وتأثيره في حياة الإنسان تزداد مع مرور الزمن وتقدّم الصناعة والعلم والمعرفة الإنسانية، فالإنسان الصناعي يحتاج إلى الماء بصورة متزايدة، لذلك فإنّ كثيراً من المؤسسات الصناعية العظيمة لا تكون لها القدرة على الفاعلية إلاّ حينما تكون على ضفاف الأنهار العظيمة.
﴿أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ﴾ من السحاب جمع مزنة ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾.