بعد ذكر النعم الثلاث (الحبوب الغذائية، والماء، والنار) والتي روعي ترتيب أهميّتها وفق تسلسل طبيعي - لأنّ إهتمام الإنسان يبدأ أوّلا بالحبوب الغذائية ثمّ يمزجها بالماء ومن ثمّ يطهوها ويهيّؤها للغذاء بواسطة النار - يستنتج سبحانه نتيجة مهمّة بعد ما ركّز على أهميّة هذه النعم للإنسان وذلك بتسبيحه والشكر له تعالى بإعتباره المصدر الوحيد لهذه النعم .. فيقول سبحانه في آخر آية مورد البحث: (فسبّح باسم ربّك العظيم)(7).
نعم، إنّ الله الذي خلق كلّ هذه النعم، والتي كلّ منها تذكّرنا بقدرته وتوحيده وعظمته ومعاده، لائق للتسبيح والتنزيه من كلّ عيب ونقص.
إنّه ربّ، وكذلك فإنّه "عظيم" وقادر ومقتدر، وبالرغم من أنّ المخاطب في هذه الآية هو الرّسول الأعظم (ص) إلاّ أنّ من الواضح أنّ جميع البشر هم المقصودون.
تعقيب
من المناسب هنا الإشارة إلى بعض الأحاديث الشريفة - حول الآيات أعلاه - عن الرّسول الأعظم (ص) وكذلك عن الإمام علي (ع).
أوّلا: نقرأ في تفسير روح المعاني حديثاً للإمام علي (ع) أنّه في إحدى الليالي كان الإمام يصلّي ويقرأ سورة الواقعة - ولمّا وصل إلى الآية: (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) قال ثلاث مرّات: - بعد إنتهاء صلاته "بل أنت ياربّ" وعندما وصل إلى الآية: (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) قال ثلاث مرّات "بل أنت ياربّ" وعندما وصل إلى قوله تعالى: (أأنتم أنزلتموه من المُزن أم نحن المنزلون)قال ثلاث مرّات أيضاً "بل أنت ياربّ" ثمّ تلا قوله تعالى: (أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤون) قل ثلاث مرّات "بل أنت ياربّ"(8).
وموضع العبرة في هذا الحديث هي ضرورة ملاحظة هذه الآيات التي وردت في القرآن الكريم بعنوان إستفهام تقريري وأن يعطي الإنسان جواباً إيجابياً لله سبحانه الذي يتحدّث معه لتركيز هذه الحقائق في روحه ونفسه، وعليه أن يتعمّق في ذلك من خلال القراءة المتدبّرة الواعية، ولا يقتنع بالتلاوة الفارغة.
ثانياً: جاء في حديث رسول الله (ص) أنّه قال: "لا تمنعوا عباد الله فضل ماء ولا كلأ ولا نار فإنّ الله تعالى جعلها متاعاً للمقوين، وقوّة للمستضعفين"(9).
ثالثاً: ونقرأ في حديث آخر أنّ الرّسول (ص) قال حينما نزلت الآية الكريمة: (فسبّح باسم ربّك العظيم): "اجعلوها في ركوعكم"(10)، أي قولوا في ركوعكم: سبحان ربّي العظيم وبحمده.
﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ صفة الاسم أو الرب أي أحدث التسبيح بذكر اسمه تنزيها له عما يقول الكافرون به وبقدرته.