لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولم ترد تفاصيل الحكم السابق في الآيات المذكورة أعلاه، وإنّما جاء في آخر الآية موضع البحث (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وإن الله توّاب حكيم). فهذه الآية إشارة إجمالية إلى تأكيد الأحكام السابقة، لأنّها تدل على أن اللعانَ فضل من الله، إذ يحل المشكلة التي يواجهها الزوجان، بشكل صحيح. فمن جهة لا يجبر الرجل على التزام الصمت إزاء سوء تصرف زوجته ويمتنع من مراجعة الحاكم الشرعي. ومن جهة أُخرى لا تتعرض المرأة إلى حدّ الزنا الخاص بالمحصنة بمجرّد توجيه التهمة إليها، بل يمنحها الإسلام حق الدفاع عن نفسها. ومن جهة ثالثة لا يلزم الرجل البحث عن شهود أربعة إن واجه هذه المشكلة، لاثبات هذه التهمة النكراء والكشف عن هذه الفضيحة المخزية. ومن جهة رابعة يفصل بين هذين الزوجين ولا يسمح لهما بالعودة إلى الحياة الزوجية بعقد جديد في المستقبل أبداً، لتعذّر الإستمرارُ في الحياة الزوجيةِ إن كانت التهمة صادقة، كما أن المرأة تصاب بصدمة نفسية إن كانت التهمة كاذبة. وتجعل الحياة المشتركة ثانية صعبة للغاية ولا تقتصر على حياة باردة وخاملة، بل ينتج عن هذه التهمة عداء مستفحلٌ بينهما. ومن جهة خامسة توضح الآية مستقبل الوليد الذي يولد بعد توجيه هذه التهمة. هذا كله فضل من الله ورحمة منّ بها على عباده. وحل هذه المشكلة بشكل عادلُ يُعبِّرُ عَنْ لطفِ اللهِ بعبادِهِ وَرَحمته لهم. ولو دققنا النظر في الحكم لرأينا أنّه لا يتقاطع مع ضرورة وجود شهود أربعة في هذه القضية. إذ أن تكرار كل من الرجل والمرأة شهادتهما أربع مرات يعوض عن ذلك. ملاحظات 1 - لماذا استثني الزوجان من حكم القذف؟ السّؤال الأوّل الذي يطرح نفسه هنا: ما هي خاصية الزوجين، ليصدر هذا الحكم المستثنى بحقّهما؟ ونجد جواب هذا السؤال من جهة في سبب نزول الآية، وهو عدم تمكن الرجل من التزام الصمت إزاء مشاهدته لزوجته وهي تخونه مع رجل آخر. كيف له أن يمتنع عن رد الفعل إزاء الإعتداء على شرفه؟ وإذا توجّه إلى القاضي وهو يصرخ ويستنجد، فقد يواجه حدّ القذف، لعدم تيقن القاضي من صدق دعواه. وإذا حاول إحضار أربعة شهود، فإن ذلك صعب عليه لمساسه بشرفه، وقد تنتهي الحادثة ولا يمكنه إحضار شهوده في الوقت المناسب. ومن جهة أُخرى، فإنّ الغرباء يتّهمون بعضهم بعضاً بسهولة، ولكن الرجل والمرأة نادراً ما يتّهم أحدهما الآخر. ولهذا السبب حكم الشارع في هذه القضية بوجوب إحضار أربعة شهود في غير الزوجين، وإلاّ نُفِّذَ حَدُّ القذف على الذي يوجه تهمة الزنا، وليس الأمر كذلك بالنسبة للزوجين، ولهذا خصّهما الحكم المذكور لما فيهما من ميزات خاصّة في هذه الحالة. 2 - كيفية اللعان توصلنا بعد الإِيضاحات التي ذكرناها خلال تفسير هذه الآيات، إلى وجوب تكرار الرجل شهادته أربع مرات ليثبت صحة دعواه في اتهامه لزوجته بالزنا، ولينجو من حَدِّ القذف. وبهذا فإن هذه الشهادات الأربع من الزوج بمثابة أربعة شهود، وفي الخامسة يتقبل لعنة الله عليه إن كان كاذباً. ومع الإلتفات إلى أن تنفيذ هذه الاحكام يتم عادة في محيط اسلامي ملتزم وبيئة متديّنة، ويرى الزوج نفسه مضطراً للوقوف بين يدي الحاكم الشرعي، ليدلي بشهادته أربع مرات بشكل حاسم لا يقبل الشك والترديد، وفي الخامسة يطلب من الله أن يلعنه إن كان كاذباً، فهذا كله يمنع الرجل من التهوّر وتوجيه اتهام باطل إلى زوجته. أمّا المرأة التي تريد الدفاع عن نفسها وترى نفسها بريئة من هذه التهمة، فعليها تكرار شهادتها أربع مرات وتشهد أن التهمة باطلة، لإيجاد موازنة بين شهادتي الرجل والمرأة، وبما أن التُّهمة موجهة للمرأة، فإنّها تدافع عن نفسها بعبارة أقوى في المرحلة الخامسة، حيث تدعو الله أن ينزل غضبه عليها إن كانت كاذبة. وكما نعلم فإنّ "اللعنة" إبتعاد عن الرحمة. وأمّا "الغضب" فإنّه أمر أشد من اللعنة، لأنّ الغضب يستلزم العقاب، فهو أكثر من الابتعاد عن الرحمة. ولهذا قلنا في تفسير سورة الحمد: إنَّ (المغضوب عليهم) هم أسْوَأ من (الضالين) على الرغم من أنّ الضالّين هم بالتأكيد بعيدون عن رحمة الله تعالى. 3 - العقاب المحذوف في الآية: جاءت الآية الأخيرةُ - ممّا نحن بصدده - جملةً شرطيةً لم يذكر جزاءها حيث تقول: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وإن الله توّاب حكيم). لكنّها لم تذكر نتيجة ذلك. وبملاحظة القرائن فيها يتّضح لنا جواب الشرط. والصمت إزاء مسألة ما يكشف عن أهميتها البالغة، ويثير في مخيلة المرء تصورات عديدة لها. وكل تصور منها له مفهوم جديد. فهنا قد يكون جواب الشرط: لو لا فضل الله ورحمته عليكم، لكشف عن أعمالكم وفضحكم. أو: لولا فضل الله ورحمته عليكم، لعاقبكم فوراً وأهلككم. أو: لولا هذا الفضل، لما وضع الله سبحانه وتعالى مثل هذه الأحكام الدقيقة من أجل تربيتكم. وفي الواقع فإن حذف جواب الشرط يثير في فكر القارىء كل هذه الأُمور(2). ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بالإمهال والستر ﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ يقبل التوبة ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما يحكم به وحذف جواب لو لا أي لعاجلكم بالعقوبة وفضحكم.