لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي آخر آية - مورد البحث - يقول سبحانه إنّكم بدلا من أن تشكروا الله تعالى على نعمه ورزقه وخاصّة نعمة القرآن الكبيرة، فانّكم تكذّبون به: (وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون)(6). قال البعض: إنّ المقصود أنّ إستفادتكم من القرآن هي تكذيبكم فقط، أو أن التكذيب تجعلونه وسيلة لرزقكم ومعاشكم(7). إلاّ أنّ التّفسير الأوّل مناسب للآيات السابقة ولسبب النّزول أكثر من التّفسيرين الأخيرين. وإنسجاماً مع هذا الرأي فقد نقل كثير من المفسّرين عن ابن عبّاس قوله: أصاب الناس عطش في بعض أسفاره (ص) فسقوا، فسمع رجلا يقول: مطرنا بنوء كذا، فنزلت الآية (لأنّ العرب كانوا يعتقدون في الجاهلية بالأنواء وأنّ لها الأثر في نزول المطر، ويقصد بها النجوم التي تظهر بين آونة واُخرى في السماء، وأنّ ظهورها يصاحبه نزول المطر، كما يعتقدون، ولهذا يقولون: مطرنا بنوء كذا، أي ببركة طلوع النجم الفلاني، وهذا بذاته أحد مظاهر الشرك الجاهلي وعبادة النجوم)(8). والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا أنّه جاء في بعض الرّوايات عن رسول الله(ص) أنّه قلّما كان يفسّر الآيات، وإجمالا كان يتصدّى للتفسير عندما تستلزم الضرورة، كما في هذا المورد حيث أخبر (ص) أنّ المقصود من (وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون) "وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون"(9). تعقيب أوّلا: خصوصية القرآن الكريم يستنتج من الأوصاف الأربعة - التي ذكرت في الآيات أعلاه - حول القرآن، أنّ عظمة القرآن هي في عظمة محتواه من جهة، وعمق معناه من جهة اُخرى، ومن جهة ثالثة فإنّ القداسة القرآنية لا يستوعبها إلاّ الطاهرون والمؤمنون، ومن جهة رابعة: في الجانب التربوي المتميّز فيه، لأنّه نزل من ربّ العالمين، وكلّ واحدة من هذه الصفات تحتاج إلى بحث مفصّل أوضحناه في نهاية الآيات المناسبة لكلّ موضوع. ثانياً: القرآن والطهارة نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: (لا يمسّه إلاّ المطهّرون) وقلنا: إنّ المسّ يفسّر بالمسّ الظاهري وبالمعنوي كذلك، ولا تضادّ بينهما، وهما مجموعان في المفهوم الكلّي للآية. وفي القسم الأوّل نقلت روايات لأهل البيت (عليهم السلام) عن أبي الحسن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) أنّه قال: (المصحف لا تمسّه على غير طهر، ولا جنب، ولا تمسّ خطّه ولا تعلّقه، إنّ الله تعالى يقول: (لا يمسّه إلاّ المطهّرون)(10). ونقل نفس المعنى في حديث آخر عن الإمام الباقر (ع) مع إختلاف مختصر(11). وجاء في مصادر أهل البيت (عليهم السلام) من طرق مختلفة أنّ الرّسول الأعظم (ص)قال: "لا يمسّ القرآن إلاّ الطاهر"(12). وحول اللمس المعنوي نقل عن ابن عبّاس عن رسول الله (ص) أنّه قال: "إنّه لقرآن كريم في كتاب مكنون" قال: "عند الله في صحف مطهّرة" (لا يمسّه إلاّ المطهّرون)قال: "المقرّبون"(13). وهذا المعنى يمكن الإستدلال عليه بواسطة العقل أيضاً، لأنّه رغم أنّ القرآن الكريم هو كتاب هداية لعموم الناس، ولكنّنا نعلم أنّ الكثير ممّن سمعوا القرآن من فم النّبي الأكرم، ورأوا هذا الماء الزلال في عين الوحي الصافية، إلاّ أنّهم بسبب تلوّثهم بالعصبية والعناد والغرور لم يؤثّر فيهم أي تأثير ولم ينتفعوا به أقلّ إنتفاع، وهناك أشخاص اهتدوا به لمجرّد أنّهم سعوا ولو قليلا لتطهير أنفسهم وتهذيبها وجاءوا إلى القرآن بروح باحثة عن الحقّ والحقيقة، فعلى هذا كلّما إزدادت طهارة وتقوى الإنسان فإنّه مرشّح لإستيعاب المفاهيم القرآنية بصورة أعمق، ومن هنا فإنّ الآية تصدق في البعدين (المادّي والمعنوي) و (الجسمي والروحي). وممّا لا شكّ فيه أنّ شخص الرّسول (ص) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) والملائكة المقرّبين هم أوضح مصداق للمقرّبين الذين أدركوا حقائق القرآن الكريم بصورة متميّزة عن الجميع. ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ من المطر أي شكره ﴿أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ بكونه من الله وتنسبونه إلى الأنواء