لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
تقول الآية بعد ذلك: ﴿فَأَزَلَّهُما الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾. نعم. أُخرجا من الجنة حيث الراحة والهدوءُ وعدم الألم والتعب والعناء، على أثر وسوسة الشيطان. وصدر لهما الأمر الإِلهي بالهبوط ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوُّ، وَلَكُمْ فِي الاَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلى حِين﴾. وهنا، فهم آدم أنه ظلم نفسه، وأخرج من الجوّ الهادي الملي بنعم الجنّة بسبب استسلامه لوسوسة الشيطان. وهبط في جوّ مفعم بالتعب والمشقة والعناء. مع أن آدم كان نبيّاً ومعصوماً، فإن الله يؤاخذ الإنبياء بترك الأولى - كما سنرى - كما يؤاخذ باقي الأفراد على ذنوبهم. وهو عقاب شديد تلقاه آدم جرّاء عصيانه. بحوث 1 - ما هي جنّة آدم (عليه السلام) ؟ يبدو أن الجنّة التي مكث فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض، لم تكن الجنّة التي وُعد بها المتقون. بل كانت من جنان الدنيا، وصقعاً منعّماً خلاّباً من أصقاع الأرض. ودليلنا على ذلك: يأوّ: الجنّة الموعودة في القيامة نعمة خالدة، والقرآن ذكر مراراً خلودها، فلا يمكن إذن الخروج منها. ثانياً: إبليس الملعون ليس له طريق للجنّة، وليس لوسوسته مكان هناك. ثالثاً: وردت عن أهل البيت(عليهم السلام) روايات تصرّح بذلك. منها ما روي عن الإِمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام) أنه سئل عن جنّة آدم، فقال: «جَنَّةٌ مِنْ جَنَّاتِ الدُّنْيَا، يَطْلَعُ فِيهَا. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنَانِ الاْخِرَةِ مَا خَرَجَ مِنْهَا أبَداً». من هذا يتضح أن هبوط آدم ونزوله إلى الأرض لم يكن مكانياً بل مقامياً. أي أنه هبط من مكانته السامية ومن تلك الجنّة المزدانة. من المحتمل أيضاً أن تكون هذه الجنّة غير الخالدة في إحدى الكواكب السماوية، وفي بعض الرّوايات الإِسلامية إشارة إلى أن هذه الجنّة في السماء. غير أنّ من الممكن أن يكون المقصود بالسماء في هذه الرّوايات «المقام الرفيع» لا «المكان المرتفع». على كل حال، توجد شواهد كثيرة على أن هذه الجنّة هي غير جنّة الخلد الموعودة. لأَن جنّة آدم بداية مسير الإِنسان وجنّة الخلد نهايتها. وهذه مقدمة لأعمال الإِنسان ومراحل حياته، وتلك نتيجة أعمال الإِنسان ومسيرته. 2 - ما هو ذنب آدم؟ المكانة التي ذكرها القرآن لآدم سامية ورفيعة، فهو خليفة الله في الأرض ومعلم الملائكة، وعلى درجة كبيرة من التقوى والمعرفة، وهو الذي سجدت له ملائكة الله المقربين. ومن المؤكد أن آدم هذا لا يصدر عنه ذنب، إضافة إلى أنه كان نبيّاً، والنّبي معصوم. من هنا يطرح سؤال عن نوع العمل الذي صدر عن آدم. وتوجد لذلك ثلاثة تفسيرات يكمل بعضها الآخر. 1 - ما ارتكبه آدم كان «تركاً للأولى» أو بعبارة اُخرى كان «ذنباً نسبياً»، ولم يكن «ذنباً مطلقاً». الذنب المطلق، وهو الذنب الذي يستحق مرتكبه العقاب أياً كان، مثل الشرك والكفر والظلم والعدوان. والذنب النسبي هو الذي لا يليق بمرتكبه أن يفعله لعلوّ منزلة ذلك الشخص، وإن كان إرتكابه مباحاً، بل مستحباً أحياناً من قبل الأفراد العاديين. على سبيل المثال، نحن نؤدي الصلاة بحضور القلب تارة، وبعدم حضور القلب تارة اُخرى. وهذه الصلاة تتناسب وشأننا، لكن مثل هذه الصلاة لا تليق بأفراد عظام مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). صلاة الرّسول ينبغي أن تكون يبأجمعها اتصا عميقاً بالله تعالى، وإن فعل الرّسول غير ذلك فلا يعني أنه ارتكب محرّماً، بل يعني أنه ترك الاُولى. وآدم كان يليق به أن لا يأكل من تلك الشجرة، وإن كان الأكل منها غير محرّم بل «مكروهاً». 2 - نهي الله لآدم إرشادي، مثل قول الطبيب: لا تأكل الطعام الفلاني فتمرض. والله سبحانه قال لآدم: لا تقرب هذه الشجرة فتخرج من الجنّة. وآدم في أكله من الشجرة خالف نهياً إرشادياً. 3 - الجنّة التي مكث فيها آدم لم تكن مح للتكليف، بل كانت دورة إختبارية وتمهيدية لآدم كي يهبط بعدها إلى الأرض. وكان النهي ذا طابع إختياري. 3 - المقارنة بين معارف القرآن والتوراة: أكبر مفاخر آدم وأعظم نقاط قوته التي جعلته زبدة الكون ومسجود الملائكة هي - كما يظهر من الآيات - تعليمه الأسماء وإطلاعه على حقائق الكون وأسراره. واضح أن آدم خُلق لهذه العلوم، وأبناء آدم - إن أرادوا التكامل - عليهم أن يستزيدوا من هذه العلوم، وتكاملهم يتناسب مرادفاً مع معلوماتهم عن أسرار الخليفة. نعم، القرآن يصرّح بأن عظمة آدم تكمن في هذه النقطة. ولكن التوراة تذهب إلى أن سبب خروج آدم من الجنّة وخطيئته الكبرى هو اتجاهه نحو العلم ومعرفة الصالح والطالح! جاء في الفصل الثاني من «سفر التكوين» من التوراة: «وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ ووَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْن لَيَعْلَمَهَا وَيَحْفَظَهَا. وَأَوْصَى الرَّبُ الإلَهُ ييآدَمَ قَائِ مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ آكْ. وَأَمَّا شَجَرَةٌ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا. لاَِنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ». وجاء في الفصل الثالث من التوراة: «وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِياً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ. فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَإمْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسْطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ أَيْنَ أَنْتَ. فَقَالَ سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لاَِنّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأَتُ. فَقَالَ مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَان. هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا. فَقَالَ آدَمُ: الْمَرَأَةُ الَّتي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ.... وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ هُوَ ذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِد مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَ، وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرِةِ الحَيوة أَيْضاً وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْن لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتي أُخِذَ مِنْهَا. فَطَرَدَ الإِنْسَانَ وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْن الْكَرُوبيمَ وَلَهِيبَ سَيْف مُتَقَلَّب لِحَرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيوة»!! من هذه «الأُسطورة التافهة»، التي تعرضها التوراة الحالية باعتبارها واقعاً تاريخياً يتبين لنا رأي التوراة الحالية في سبب خروج آدم من الجنّة، فهو على رأي هذه الأُسطورة معرفة آدم بالخير والشر، وذنبه الأكبر هو الإِتجاه نحو العلم والمعرفة!! يوإن لم يمدّ آدم يدَه إلى «شجرة الخير والشّر» لبقي جاه حتى بقبح التعرّي، ولما أُخرج من الجنّة، بل كان فيها خالداً. فيا عجباً، لِمَ إذاً حزن آدم على خروجه من الجنّة إذا كان خروجه قد اقترن بإكتسابه العلم والمعرفة وبتمييزه بين الخير والشر، إنها صفقة رابحة تلك التي حصل عليها آدم، فلماذا ندم عليها؟! ويتضح من ذلك أنّ أُسطورة التوراة تقع في النقطة المقابلة للإِتجاه القرآني الذي يرى أن مكانة الإِنسان ومقامه وسرّ خلقته تكمن في «تعليمه الأسماء». أضف إلى ما سبق أن هذه الأُسطورة تتضمّن مفاهيم مشينة مخجلة بشأن الله سبحانه وبشأن المخلوقات، كل واحدة منها تثير الدهشة أكثر من غيرها، وهي عبارة عن: 1 - نسبة الكذب إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً (كما جاء في الجملة 17 من الاصحاح الثاني: أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها: لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)! 2 - نسبة البخل إلى الله سبحانه (كما جاء في الجملة 22 من الاصحاح الثالث: وقال الرب الإِله هو ذا الإِنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الإبد)!. 3 - إمكان وجود الشريك لله تعالى (كما في العبارة السابقة: قد صار كواحد منا). 4 - نسبة الحسد إلى الله (ويستفاد ذلك من العبارة السابقة أيضاً﴾. 5 - تجسيم الله سبحانه (... وسمعا صوت الرب الإِله ماشياً في الجنّة عند هبوب ريح النهار)! 6 - نسبة الجهل إلى الله بالحوادث التي تقع قريباً منه (كما تقول هذه التوراة: فاختبأ آدم وامرأته من وجه الربّ الإِله في وسط شجر الجنّة. فنادى الرب الإِله آدم وقال له: أين أنت؟!). (ولابدّ من التأكيد هنا أن هذه الخرافة لم تكن في التوراة المنزلة، بل أُضيفت فيما أضيف إلى التوراة). 4 - المقصود من الشّيطان في القرآن: كلمة الشيطان من مادة «شطن» و«الشاطن» هو الخبيث والوضيع. والشيطان تطلق على الموجود المتمرد العاصي، إنساناً كان أو غير إنسان، وتعني أيضاً الروح الشريرة البعيدة عن الحق. وبين كل هذه المعاني قدر مشترك. والشّيطان اسم جنس عام، وإبليس اسم علم خاص، وبعبارة اُخرى، الشيطان كل موجود مؤذ مغو طاغ متمرّد، إنساناً كان أم غير إنسان ، وإبليس اسم الشيطان الذي أغوى آدم ويتربّص هو وجنده الدوائر بأبناء آدم دوماً. من مواضع استعمال هذه الكلمة في القرآن يفهم أن كلمة الشيطان تطلق على الموجود المؤذي المضر المنحرف الذي يسعى إلى بث الفرقة والفساد والاختلاف. مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّما يُريدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ...﴾. وفي استعمال فعل المضارع «يريد» دلالة على استمرار إرادة الشيطان على هذا النحو. والاستعمال القرآني لكلمة شيطان يشمل حتى أفراد البشر المفسدين المعادين للدعوة الإِلهية، كقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الاِْنْسِ وَالْجِنِّ﴾. كلمة الشيطان أُطلقت على إبليس أيضاً بسبب فساده وإنحرافه. والميكروبات المضرّة تشملها كلمة الشيطان أيضاً، كما ورد عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لاَ تَشْرَبُوا الْمَاءَ مِنْ ثُلْمَةِ الاِْنَاءِ وَلاَ مِنْ عُرْوَتِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَقْعُدَ عَلَى الْعُرْوَةِ وَالثُّلْمَةِ». وروي عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «وَلاَ يُشْرَبُ مِن أُذُنِ الْكُوْزِ، وَلاَ مِنْ كَسْرِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ، فَأِنَّهُ مَشْرَبُ الشَّيَاطِين». وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لاَ يُطَوِّلَنَّ أَحَدُكُمْ شَارِبَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَّخِذُهُ مَخْبَئاً يَسْتَتِرُ بِهِ». ومن الواضح أننا لا نقصد أن معنى كلمة الشيطان هو الميكروب أينما وردت هذه الكلمة، بل نقصد أن الكلمة لها معان متعددة، أحد مصاديقها الواضحة «إبليس» وجنده وأعوانه. ومصداقها الآخر أفراد البشر المفسدون المنحرفون. ووردت في مواضع اُخرى بمعنى الميكروبات المؤذية (تأمل بدقّة)! 5 - لماذا خُلق الشيطان؟! يثار أحياناً سؤال عن سبب خلق هذا الموجود المضل المغوي. وفي الجواب نقول: يأوّ: لم يخلق الله الشيطان، شيطاناً. والدليل على ذلك وجوده بين ملائكة الله وعلى الفطرة الطاهرة. لكنه بعد تحرره أساء التصرف، وعزم على الطغيان والتمرّد. إنه إذن خلق طاهراً، وسلك طريق الإِنحراف مختاراً. ثانياً: وجود الشيطان لا يسبب ضرراً للأفراد المؤمنين، ولطلاب طريق الحق، في منظار نظام الخليقة. بل إنه وسيلة لتقدمهم وتكاملهم، إذ إن التطوّر والتقدّم يتم من خلال صراع الأضداد. بعبارة أوضح: قوى الإنسان وطاقاته الكامنة لا تتأهب ولا تتفجر إلاّ حينما يواجه الإِنسان عدواً قوياً. هذا العدوٌ يؤدّي إلى تحريك طاقات الإِنسان وبالتالي إلى تقدّمه وتكامله. الفيلسوف المعاصر «توينبي» يقول: «لم تظهر في العالم حضارة راقية إلاّ بعد تعرّض شعب من الشعوب إلى هجوم خارجي قوي. وهذا الهجوم يؤدي إلى تفجير النبوغ والكفاءات، لصنع مثل هذه الحضارة». ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾ حملهما على الزلة بسبب الشجرة أو أزالهما عن الجنة أي أذهبهما بوسوسته وغروره بأن دخل بين لحيي الحية فأراهما أن الحية تخاطبهما ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ من النعيم ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُواْ﴾ خطاب لهما بدليل اهبطا منها كأنهما الإنس كلهم فجمع الضمير أو مع إبليس مع الحية أو بدونها ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ آدم وحواء وولدهما عدو للحية ولإبليس وإبليس والحية وأولادهما عدو آدم ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ منزل ومقر للمعاش ﴿وَمَتَاعٌ﴾ تمتع ومنفعة ﴿إِلَى حِينٍ﴾ الموت أو القيامة.