لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول ذكر سببين لنزول الآيات السابقة: أوّلهما: ما روته عائشة زوجة الرّسول قالت: كان رسول الله(ص) إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين أزواجه فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله(ص) معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة(1) غزاها فخرج سهمي فخرجت مع رسول الله(ص) بعد ما نزل الحجاب وأنا أُحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله(ص) من غزوته تلك وقفل. فدنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع ظفار(2). قد انقطع فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلهن اللحم إنّما تأكل المرأة العلقة(3) من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فيممت منزلي الذي كنت به فظننت أنّهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطل السلمي ثمّ الذكر إنّي من وراء الجيش فأدلج(4) فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة واحدة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطّى على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد أن نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك في من هلك. وكان الذي تولى الإفك عبدالله بن أُبيّ بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهراً والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أُشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله(ص) اللطف الذي كنت أرى منه حين اشتكى إنّما عليَّ فيسلم ثمّ يقول: كيف تيكم؟ ثمّ ينصرف فذاك الذي يريبني ولا أُشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أُم مسطح قبل المناصع(5) وهي متبرزنا وكنّا لا نخرج إلاّ ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأوّل في التبرّز قبل الغائط فكنّا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأُم مسطح فأقبلت أنا وأُم مسطح قبل بيتي قد أشرعنا(6) من ثيابنا فعثرت أُم مسطح في مرطها(7) فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدراً؟ قالت: إي هنتاه(8) أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله(ص) فسلم ثمّ قال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ - قالت: وأنا حينئذ أُريد أن أستيقن الخبر من قبلهما - قالت: فأذن لي رسول الله(ص) فجئت لأبوي فقلت لاُمي: يا أُمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلاّ أكثرن عليها فقلت: سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقاً لي دمع ولا أكتحل بنوم ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله(ص) علي بن أبي طالب وأُسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، فأمّا اسامة فأشار على رسول الله(ص) بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ فقال: يا رسول الله(ص) أهلك ولا نعلم إلاّ خيراً، وأمّا علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثيرة وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله(ص) بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت شيئاً يريبك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً أغمضه أكثر من أنّها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن فيأكله. فقام رسول الله(ص) فاستعذر يومئذ من عبدالله بن أبي فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلاّ خيراً، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلاّ خيراً وما كان يدخل على أهلي إلاّ معي. فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله(ص) أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواتنا من بني الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحاً ولكن احتملته الحميّة ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله ما تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أُسيد بن خضير وهو ابن عم سعد بن عبادة، قال: كذبت لنقتلنه فإنّك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاورا الحيّان: الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله(ص) قائم على المنبر فلم يزل رسول الله(ص) يخفضهم حتى سكنوا وسكت. فبكيت يومي ذلك فلا يرقاً لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً لا أكتحل بنوم ولا يرقاً لي دمع وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأبصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله(ص) ثمّ جلس ولم يجلس عندي منذ قيل فيّ ما قيل قبلها وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء، فتشهد حين جلس ثمّ قال: أمّا بعد يا عائشة إنّه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا إعترف بذنبه ثمّ تاب تاب الله عليه. فلمّا قضى رسول الله(ص) مقالته قلص(9) دمعي حتى ما أُحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله(ص). قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله(ص) ، فقلت لاُمي: أجيبي عني رسول الله(ص) ، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله(ص). فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: إنّي والله لقد علمت أنّكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدّقتم به فلئن قلت لكم: إنّي بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدّقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي منه بريئة لتصدّقنّي، والله لا أجد لي ولكم مثلا إلاّ قول أبي يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرَّئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله(ص) رؤيا يبرَّئني الله بها. قالت: فوالله ما رام رسول الله(ص) مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أُنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى أنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أُنزل عليه فلمّا سري عن رسول الله(ص) سري عنه وهو يضحك فكان أوّل كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك، فقالت أُمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم اليه ولا أحمد إلاّ الله الذي أنزل براءتي، وأنزل الله: "إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم" العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبوبكر، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أُنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله: "ولا يأتلِ أُولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أُولي القربى والمساكين - إلى قوله - رحيم" قال أبوبكر: والله إنّي اُحبّ أن يغفر الله لي فرجع إلى مَسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً. قالت عائشة: فكان رسول الله(ص) يسأل زينب أبنة حجش عن أمري فقال: يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلاّ خيراً، قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي(ص) فعصمها الله بالورع، وطفقت اختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.(10) إمام باقر(ع) يقول: لما هلك إبراهيم بن رسول الله(ص) حزن عليه حزناً شديداً فقالت عائشة: ما الذي يحزنك عليه؟ ما هو إلاّ ابن جريح، فبعث رسول الله(ص) علياً(ع) وأمره بقتله. فذهب علي(ع) ومعه السيف وكان جريح القبطي في حائط فضرب علي(ع) باب البستان فأقبل جريح له ليفتح الباب فلما رأى عليّاً(ع) عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعاً ولم يفتح باب البستان فوثب علي(ع) على الحائط ونزل إِلى البستان واتبعه وولى جريح مدبراً فلما خشي أن يرهقه(11) صعد في نخلة وصعد علي(ع) في أثره فلما دنا منه رمي بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإِذا ليس له ما للرجال ولا له ماللنساء. فانصرف علي(ع) إِلى النبي(ص) فقال له: يا رسول الله إِذا بعثتني في الأمر أكون كالسمار المحميّ في الوبر أم أُثبّت؟ قال: لابل تثبّت. قال: والذي بعثك بالحق ما له ماللرجال وما له ماللنساء، فقال: الحمدالله الذي صرف عنّا السوء أهل البيت.(12) تحقيق المسألة: على رغم ممّا ذكرته معظم المصادر الإسلامية لهذين السببين فإن هناك أموراً غامضةً في السبب الأوّل تثير النقاش، منها: 1 - يستفاد من تعابير هذا الحديث - رغم تناقضاته - أنّ الرّسول الأكرم(ص) وقع تحت تأثير الشائعة، وأدى ذلك إلى مشاورتِهِ أصحابَهُ وتغيير سلوكِهِ مع عائشة حتى ابتعد عنها لمدّة طويلة. وهذا الموضوع لا ينسجم مع عصمةِ النّبي(ص) وحسب، بل كل مسلم ثابت الإِيمان لا ينبغي أن يقع تحت تأثير الشائعات دون مبرر، وإذا تأثّر بالشائعة فعليه ألا يُغيِّر سلوكَهُ عملياً، ولا يَسْتَسلِم للشائعةِ وأثرها فكيف بالمعصوم. فهل يمكن التصديق أنَّ العتاب الشديد الذي ذكرته الآيات التالية وتساءلت: لماذا وقع بعض المؤمنين تحت تأثير هذه الشائعة، ولماذا لم يطلبوا شهوداً أربعة، يشمل النبي(ص) ؟ هذه تساؤلات تدفعنا في أقل تقدير إلى الشك في صحة سبب النّزول الأول. 2 - رغم أن ظاهر الآيات يَدُلُّ على أن حكم القذف (الإتهام بعمل مخل بالشرف والعفة) نزل قبل حديث الإِفك، فلماذا لم يستدع النّبي(ص) عبدالله بن أبي سلول وعدداً آخر ممَّنْ نشروا هذه الشائعة ليجري الحد الذي فرضه الله؟ (الاّ أن يقال بأن آيات القذف والافك نزلت سويةً، وأن حكم القذف قد شرح حينذاك لتناسبه مع الموضوع، ففي هذه الصورة ينتفي هذا الإشكال ولكن يبقى الأوّل على قوّته). أمّا بالنسبة لسبب النّزول الثّاني، فإنّ ما يثير فيه النقاش هو عدّة أُمور، منها: 1 - إن الذي وجه التهمة - وفقاً لسبب النّزول هذا - هو شخصٌ واحدٌ لا غير، في الوقت الذي ذكرت الآيات فيه أنّهم مجموعة، وقد روّجوا لها لدرجة شيوعها تقريباً في المدينة كلها. لهذا استخدمت الآيات ضمير جمع للمؤمنين الذي عاتبتهم بشدّة، والذين تورّطوا في تصديق وترويج هذه الشائعة، وهذا لا ينسجم أبداً مع سبب النّزول الثّاني. 2 - يبقى سؤال هو: إذا كانت عائشة ارتكبت هذا الإثم (القذف) ثمّ ثبت خلاقة، فلماذا لم يُنفِّذِ النبي(ص) حَدَّ القذف بحقها؟ 3 - كيف يمكن للنبي الأكرم(ص) أن يصدر حكم القتل بحق شخص بشهادة امرأة واحدة؟ مع أنّ التنافس بين زوجات رجل واحد أمراً اعتياديّاً، والإنحراف عن الحق والعدل أو ارتكاب إحداهن لخطأ على الأقل ممكن. وليس مهماً ما يكون سبب النّزول، بل المهم أن نعلم من مجموع الآيات هو أنه قد اتهم شخص بريء بعمل مخلّ بالعفة والشرف حين نزول هذه الآيات، وأن الشائعات كانت منتشرة في المدينة، كما يفهم من الدلائل الموجودة في هذه الآية، أن هذه التهمة كانت موجهة لشخص له أهمية خاصّة في المجتمع آنذاك. وأن مجموعة من المنافقين المتظاهرين بالإسلام أرادوا الاخلال بالمجتمع الإِسلامي بترويجهم هذه الشائعة، فنزلت هذه الآيات، وتصدّت لهذه الحادثة بقوة، ودفعت المنحرفين والمنافقين الحاقدين إلى جحورهم. ومهما يكن سبب نزول هذه الأحكام، فإنها لا تخص سبب النّزول وحده، ولا تنصرف لزمانه ومكانه فقط، بل هي أحكام نافذة في كُلِّ بيئة وزمان. بعد هذا الحديث نشرع في تفسير هذه الآيات لنرى كيف يتابع القرآن بفصاحته وبلاغته هذه الحادثة الخاصّة، وكيف يبحث تفاصيلها بدقة. التّفسير حديث الافك المثير: تقول أوّل آية من الآيات موضع البحث، دون أن تطرح أصل الحادثة (إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم) لأن من علائم الفصاحة والبلاغة، حذفَ الجملِ الزائدة، والإكتفاء بما تدلّ عليه الكلمات من معان شاملة. كلمة "الإفك" على وزن "فكر" كما يقول الراغب الأصفهاني: يقصد بها كل مصروف عن وجهه، الذي يحق له أن يكون عليه، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب "مؤتفكة" ثمّ اطلقت على كل كلام منحرف عن الحق ومجانب للصواب، ومن ذلك يطلق على الكذب "أفك". ويرى "الطبرسي" في مجمع البيان أن الأفك لا يطلق على كل كذبة بل الكذبة الكبيرة التي تبدل الموضوع عن حالته الأصلية، وعلى هذا يستفاد أن كلمة "الأفك" بنفسها تبيّن أهمية هذه الحادثة وكذب التهمة المطروحة. وأمّا كلمة "العُصبة" فعلى وزنِ "فُعْلَة" مشتقّة من العَصَبْ، وجمعها أعصاب، وهي التي تربط عضلات الجسم بعضها مع بعض، وعلى شكل شبكة منتشرة في الجسم، ثمّ أطلقت كلمة "عصبة" على مجموعة من الناس متحدة وذات عقيدة واحدة. واستخدام هذه الكلمة يكشف عن الإِرتباط الوثيق بين المتآمرين المشتركين في ترويج حديث الإفك، حيث كانوا يشكلون شبكة قوية منسجمة ومستعدة لتنفيذ المؤامرات. وقال البعض: إن هذه المفردة تستعمل في عشرة إلى أربعين شخصاً(13). وعلى كل حال فإن القرآن طمأن وهدّأ روع المؤمنين الذين آلمهم توجيه هذه التهمة إلى شخصية متطهرة (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم) ، لأنّه كشف عن حقيقةِ عدد من الأعداء المهزومين أو المنافقين الجبناء، وفضح أمر هؤلاء المرائين، وسوّد وجوههم إلى الأبد. ولو لم تكن هذه الحادثة، لما افتضح أمرهم بهذا الشكل، ولكانوا أكثر خطراً على المسلمين. إنّ هذا الحادث علّم المسلمين أن اتّباع الذين يروّجون الشائعات يجرّهم إلى الشقاء، وأنَّ عليهم أن يَقِفُوا بقوّة امام هذا العمل. كما علّم هذا الحادث المسلمين درساً آخر، وهو أنَّ لا ينظروا إلى ظاهر الحادِثِ المؤلم، بل عليهم أن يتبحّروا فيه، فقد يكون فيه خيراً كثيراً رغم سوء ظاهره. وممّا يلفت النظر أنّ ذكر ضمير "لكم" يعمّ جميع المؤمنين في هذا الحادث، وهذا حقّ، لأن شرف المؤمنين وكيانهم الإجتماعي لا ينفصل بعضه عن بعض، فهم شركاء في السرّاء والضرّاء. ثمّ تعقّب هذه الآية بذكر مسألتين: أوّلاهما: (لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم) إشارة إلى أنّ المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق كبار المذنبين لا تحول دون تحمل الآخرين لجزء من هذه المسؤولية، ولهذا يتحمل كلّ شخص مسؤوليته إزاء أية مؤامرة. والمسألة الثّانية: (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) قال بعض المفسّرين: إن الشخص المقصود هو "عبدالله بن أبي سلول" قائد أصحاب الإفك. وقال آخرون: إنّه مسطح بن أُثاثة. وحسان بن ثابت كمصاديف لهذا الخطاب. وعلى كل حال، فإنّ الذي نشط في هذا الحادث أكثر من الآخرين، وأضرم نار الإفك، هو قائد هذه المجموعة الذي سيُعاقَبُ عِقاباً عظيماً لِكبر ذنبه. (ويحتمل أن كلمة "تولى" يقصد بها رأس مروجي حديث الإِفك). ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ﴾ بالكذب العظيم ﴿عُصْبَةٌ﴾ جماعة ﴿مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ﴾ أي الإفك ﴿شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ لأن الله يثبكم عليه ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾ جزاء ما اكتسب منه بقدر ما خاض فيه ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ تحمل معظمه ﴿مِنْهُمْ﴾ من الآفكين ﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ في الآخرة أو في الدنيا بجلدهم نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة من أنها حملت بإبراهيم من جريح القبطي وقيل في عائشة.