التّفسير
مصير الصالحين والطالحين:
هذه الآيات في الحقيقة نوع من الخلاصة للآيات الاُولى والأخيرة من هذه السورة، كما أنّها تجسّد حالة التفاوت بين البشر في حالة الإحتضار، وكيف أنّ قسماً منهم يلفظون أنفاسهم بهدوء وراحة في تلك اللحظات الصعبة، وآخرين تلوح لهم من بعيد النار الحامية، ويسيطر عليهم الخوف والإضطراب والهلع فيلفظون أنفاسهم بصعوبة بالغة.
يقول سبحانه في البداية: (فأمّا إن كان من المقرّبين فروح وريحان وجنّة نعيم).
"روح": على وزن (قول) - كما ذكر ذلك أئمّة اللغة - في الأصل بمعنى التنفّس.
"الريحان": بمعنى النبات أو الشيء ذي العطر، ثمّ إصطلح على كلّ شيء باعث للحياة والراحة، كما أنّ الريحان يطلق على كلّ نعمة ورزق كريم.
وبناءً على هذا فإنّ الروح والريحان الإلهيين يشملان كلّ وسائل الراحة والطمأنينة للإنسان، وكلّ نعمة وبركة إلهيّة.
وبتعبير آخر: يمكن القول أنّ الروح إشارة إلى كلّ الاُمور التي تخلّص الإنسان من الصعوبات ليتنفّس براحة، وأمّا الريحان فإنّه إشارة إلى الهبات والنعم التي تعود إلى الإنسان بعد إزالة العوائق.
وقد ذكر المفسّرون الإسلاميون تفاسير متعدّدة لهذين المصطلحين قد تصل إلى عشرة تفاسير:
فقالوا: "الروح" بمعنى الرحمة، و "الريحان" يشمل كلّ فضيلة وشرف.
وقالوا: إنّ الروح هي النجاة من نار جهنّم، والريحان دخول الجنّة.
وذكروا أيضاً أنّ الروح بمعنى الهدوء في القبر، والريحان دخول الجنّة.
وفسّر آخرون الروح بمعنى كشف الكروب، والريحان بمعنى غفران الذنوب.
وقال آخرون: الروح بمعنى النظر إلى وجه الله سبحانه، والريحان الإستماع إلى كلام الله.
وما إلى ذلك.
ويمكن القول أنّ جميع هذه التفاسير مصاديق لهذا المفهوم الكلّي والجامع، والذي ذكر في تفسير الآية أعلاه.
والجدير بالملاحظة أنّ الحديث عن "جنّة النعيم" جاء بعد ذكر الروح والريحان وقد يستفاد من هذا أنّ الروح والريحان يكون من نصيب المؤمنين في الإحتضار والقبر والبرزخ، وأمّا الجنّة ففي الآخرة، كما نقرأ في حديث للإمام الصادق (ع) في تفسيره لهذه الآية حيث قال: (فأمّا إن كان من المقرّبين فروح وريحان) يعني في قبره (وجنّة نعيم) يعني في الآخرة(1)(2).
﴿فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ الميت ﴿من المقربين﴾ السابقين.