ثمّ تَوجّهت الآية التالية: إلى المؤمنين الذين انخدعوا بهذا الحديث فوقعوا تحت تأثير الشائعات، فلا متهم بشدّة (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً).
أي: لِمَاذا لم تقفوا في وَجْهِ المنافقين بقوّة، بل استمعتم إلى أقوالهم الّتي مسّت مؤمنين آخرين كانوا بمنزلة أنفسكم منكم. ولماذا لم تدفعوا هذه التهمة وتقولوا بأن هذا الكلام كذب وافتراء: (وقالوا هذا افك مبين).
أنّكم كنتم تعرفون جيداً الماضي القبيح لهذه المجموعة من المنافقين، وتعرفون جيداً طهارة الذي اتّهم، وكنتم مطمئنين من عدم صدق هذه التهمة وفق الدلائل المتوفرة لديكم.
وكنتم تعلمون أيضاً بما يحاك من مؤامرات ضدّ النبي(ص) من قبل الأعداء والمنافقين، لذا فإنّكم تستحقون اللوم والتأنيب لمجرد هذه الشائعات الكاذبة، ولالتزامكم الصمت إزاءها، فكيف بكم وقد اشتركتم في نشر هذه الشائعة بوعي أو دون وعي منكم؟
وممّا يلفت النظر أن الآية السابقة بدلا من أن تقول: عليكم أن تحسنوا الظن بالمتهم وتصدقوا تهمته، فإنها تقول (ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً) وهذه العبارة - كما قلنا - إشارة إلى أنَّ أنفس المؤمنين كنفس واحدة، فإذا اتهم أحدهم، فكأن التهمة موجهة لجميعهم، ومثالهم في ذلك كمن اشتكى عضو منه فهبت بقية الأعضاء لنجدته.
وهكذا يجب أن يهب المسلم للدفاع عن إخوته وأخواته في الدين مثلما يدافع عن نفسه(14).
وقد استعملت كلمة "الأنفس" في آيات أخرى من القرآن في هذا المعنى أيضاً - في مثل هذه الحالات - كما هو في الآية (11) من سورة الحجرات (ولا تلمزوا أنفسكم)! أمّا الإستناد إلى الرجال والنساء المؤمنين فيشير إلى قدرة الإيمان على ردع سوء الظن بالآخرين.
وحتى هذه اللحظة كانت الملامة ذات طابع أخلاقي ومعنوي، وتقضي بعدم التزام المؤمنين جانب الصمت إزاء مثل هذه التهم القبيحة، أو أن يكونوا وسيلة بيد مُروِّجي الشائعات.
﴿لَوْلَا﴾ هلا ﴿إِذْ﴾ حين ﴿سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ﴾ ظن بعضهم ببعض ﴿خَيْرًا﴾ وعدل عن الخطاب إلى الغيبة مبالغة في التوبيخ وإيذانا باقتضاء الإيمان ظن الخير بالمؤمنين ورد الطعن عنهم كرده عن أنفسهم وفصل لو لا عن فعله بالظرف اتساعا تنزيلا له منزلته لأهميته لوجوب ظن الخير أول ما سمعوا ﴿وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ كذب بين.