لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولغرض الحثّ على ضرورة الإنفاق في سبيل الله، ومن خلال تعبير رائع يؤكّد سبحانه ذلك في الآية مورد البحث بقوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) فينفق ممّا آتاه الله في سبيل الله (فيضاعفه له وله أجر كريم). إنّه تعبير عجيب حقّاً، حيث إنّ الله الواهب لكلّ النعم وجميع ذرّات وجودنا - هي من بحر فيضه اللامتناهي. وبالإضافة إلى أنّنا عبيد له يعبّر عنّا بأنّنا أصحاب الأموال، ويدعونا لإقراضه ضمن شروط مغرية، حيث أنّ السائد أنّ الديون العادية تسترجع بنفس مقاديرها، إلاّ أنّه سبحانه - بفضل منه - يضاعفها لنا بالمئات أحياناً وبالآلاف أحياناً اُخرى. وإضافة إلى ذلك فإنّه قد وعدنا بأجر كريم أيضاً، وهو جزاء عظيم لا يعلمه إلاّ هو. بحوث 1 - بواعث الإنفاق الشيء الجدير بالإنتباه أنّنا نلاحظ في الآيات السابقة تعبيرات مختلفة للحثّ على الإنفاق، أعمّ من المساعدة والمساهمة في موضوع الجهاد أو أنواع الإنفاق الاُخرى للمحتاجين، والتي يعتبر كلّ منها عاملا أساسيّاً ومحرّكاً باتّجاه تحقيق الهدف. وتشير الآية السابعة لمسألة إستخلاف الناس بعضهم لبعض أو عن الله تعالى في هذه الثروة، وبما أنّ المالكية الحقيقة لله تعالى، والجميع نواباً له في هذه الأموال. فهذا الفهم يستطيع أن يفتح في الحقيقة يد الإنسان وقلبه للإنفاق ويكون عاملا للحركة في هذا المجال. أمّا في الآية العاشرة فقد ورد مفهوم آخر يتحدّث فيه عن حالة عدم إستقرار الأموال والممتلكات وبقائها بعد فناء الناس جميعاً، لذا يعبّر عنها بـ (ميراث السموات والأرض) وأنّها لله تعالى. وفي الآية الحادية عشرة ورد تعبير مرهف بالحساسية، حيث يعتبر الله سبحانه الإنسان هو المقرض وأنّه تعالى هو المستقرض، وليس في هذا القرض ربا، بل فيه أرباح مضاعفة، وأحياناً مضاعفة بالآلاف عوض هذا القرض، بالإضافة إلى الجزاء العظيم الذي لا نستطيع تصوّره. إنّ هذا كلّه لإزالة النظرات الخاطئة والمنحرفة ودوافع الحرص والحسد وحبّ الذات وطول الأمل التي تمنع من الإنفاق، لتكوين مجتمع على اُسس ودّية وتعاون عميق وروح إجتماعية بنّاءة. 2 - شروط الإنفاق في سبيل الله! إنّ التعبير بـ (قرضاً حسناً) في الآية أعلاه يشير إلى هذه الحقيقة وهي أنّ إعطاء القرض بحدّ ذاته (أقسام وأنواع) فبعضها يعتبر قرضاً حسناً، والآخر قرضاً قليل الفائدة، أو حتّى عديم الفائدة أيضاً. والقرآن الكريم يبيّن شروط القرض الحسن لله سبحانه كما وضّح ذلك في الآيات المختلفة، وبعض المفسّرين استنتجوا عشرة شروط في مجموع الآيات القرآنية التي تتحدّث عن الإنفاق، وهي كما يلي: الشرط الأوّل: إنتخاب أجود الأموال للإنفاق وليس من أرخصها شأناً وقيمة، قال سبحانه: (ياأيّها الذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم، وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ الله غني حميد)(4). ثانياً: يجدر أن يكون الإنفاق والإقراض من الأموال التي هي موضع حاجة الشخص المنفق، حيث يقول سبحانه: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)(5). ثالثاً: يجب أن يكون الإنفاق للأشخاص الذين هم موضع حاجة شديدة إليه، وتؤخذ بنظر الإعتبار الأولويات في إنفاقه، قال تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله)(6). رابعاً: الأفضل والأولى في الإنفاق أن يكون محاطاً بالسّرية والكتمان قال تعالى: (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم)(7). خامساً: أن لا يقترن الإنفاق منّ ولا أذى أبداً، قال تعالى: (ياأيّها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى)(8). سادساً: أن يكون توأماً مع خلوص النيّة قال تعالى: (ينفقون أموالهم إبتغاء مرضات الله)(9). سابعاً: الشعور بضئالة العطاء وأنّه صغير لا قيمة له حتّى وإن كان كثيراً ومهمّاً، وذلك تلبية لأمر الله وإنتظاراً للجزاء الذي أعدّه للمنفقين. قال تعالى: (ولا تمنن تستكثر)(10) (11). ثامناً: أن يكون الإنفاق ممّا تعلّق قلبه به من الأموال، وخاصّة تلك التي تكون موضع تعلّق وشغف، قال تعالى: (لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون)(12). تاسعاً: أن لا يرى المنفق أنّه هو المالك للأموال، حيث أنّ المالك الحقيقي هو الله سبحانه، ويعتبر المنفق نفسه واسطة بين الخالق والمخلوق، قال تعالى: (وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه)(13). عاشراً: أن يكون الإنفاق من المال الحلال، لأنّه هو الذي يقبل فقط من قبل الله سبحانه، قال تعالى:(إنّما يتقبّل الله من المتّقين)(14). وجاء في حديث أنّ الرّسول (ص) قال: "لا يقبل الله صدقة من غلول"(15). والذي ذكرناه أعلاه هو قسم مهمّ من الضوابط والشروط اللازمة للإنفاق، ولا تنحصر به، ونستطيع من خلال التدقيق والتأمّل في الآيات الكريمة والروايات الإسلامية أن نتعرّف على شروط اُخرى أيضاً. ثمّ إنّ ما قيل من الشروط بعضها واجب كـ (عدم الأذى والمنّ والإعلان في العطاء) والبعض الآخر مستحبّ ومن شروط الكمال كـ (الإيثار على النفس) حيث إنّ عدمه لا يقلّل من قيمة الإنفاق، بالرغم من أنّ الإنفاق في هذه الحالة لا يرتقي إلى مستوى الإنفاق العالي من حيث الدرجة. ومع أنّ ما قيل هنا خاصّ في الإنفاق في سبيل الله (الإقراض لله) إلاّ أنّه أيضاً يصدق في كثير من القروض العادية، لأنّ هذه الشروط من الاُمور اللازمة أو من شروط الكمال للقرض الحسن. وحول أهميّة الإنفاق في سبيل الله فقد ذكرنا شرحاً مفصّلا تفسير الآيات من (261 - 267) من سورة البقرة. 3 - السابقون في الإيمان والجهاد والإنفاق الأشخاص الذين يتقدّمون على غيرهم بالإيمان والعمل الصالح فهم ذوو وعي وشجاعة وإيثار وتضحية أكثر من الآخرين بلا شكّ، ولذا فإنّ درجات المؤمنين غير متساوية عند الله، والآية الكريمة إعتمدت هذا المفهوم وميّزت بين الأشخاص الذين أنفقوا قبل الفتح: (سواء كان فتح مكّة أو الحديبية أو مطلق الفتوحات الإسلامية) وجاهدوا أيضاً، وبين الذين أنفقوا وقاتلوا من بعد. نقل في حديث عن (أبي سعيد الخدري) أنّه قال: "خرجنا مع رسول الله في عام الحديبية (السنة السادسة للهجرة) حتّى إذا كان بعسفان - مكان قريب من مكّة - قال رسول الله: "يوشك أن يأتي قوم تحقّرون أعمالكم مع أعمالهم" قلنا: من يارسول الله؟ أقريش؟ قال: "لا، ولكنّهم أهل اليمن، هم أرقّ أفئدة وألين قلوباً" قلنا: أهم خير منّا يارسول الله؟ قال: "لو كان لأحدهم جبل ذهب فأنفقه ما أدرك مُدّ (16) أحدكم ولا نصفيه، ألا إنّ هذا فصل ما بيننا وبين النساء لا يتسوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل"(17). والنقطة التالية جديرة بالملاحظة أيضاً وهي: أنّ الإقراض لله تعالى هو كلّ إنفاق في سبيله، وأحد مصاديقه المهمّة الدعم الذي يقدّم للرسول(ص) وأئمّة المسلمين من بعده، كي يستعمل في الموارد اللازمة لإدارة الحكومة الإسلامية. لذا نقل في الكافي رواية عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "إنّ الله لم يسأل خلقه ممّا في أيديهم قرضاً من حاجة به إلى ذلك، وما كان لله من حقّ فإنّما هو لوليّه"(18). وجاء في حديث آخر عن الإمام الكاظم (ع) حول نهاية الآية مورد البحث: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً...) أنّه قال: "نزلت في صلة الإمام"(19). ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ أي ينفق ماله في سبيله ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ اقتراضا خالصا لوجهه أو مقرضا حلالا طيبا ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ﴾ مع المضاعفة ﴿أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ كثير النفع والخير.