سبب النّزول:
نقل أغلب المفسّرين أنّ للآيات الاُولى في هذه السورة سبباً للنزول، ومضمونها بشكل عامّ واحد، بالرغم من وجود إختلافات في الجزئيّات، إلاّ أنّ هذه الإختلافات لا تؤثّر على ما نحتاجه من البحث التّفسيري.
وجاء في تفسير القمّي: حدّثنا علي بن الحسين قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاّد، عن حمران، عن أبي جعفر (ع)قال: "إنّ امرأة من المسلمات أتت النبي (ص) فقالت: يارسول الله إنّ فلان زوجي قد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته، لم ير منّي مكروهاً أشكوه إليك.
قال: فيم تشكينه؟ قالت: إنّه قال: أنت عليّ حرام كظهر اُمّي، وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري.
فقال لها رسول الله: ما أنزل الله تبارك وتعالى كتاباً أقضي فيه بينك وبين زوجك، وأنا أكره أن أكون من المتكلّفين، فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله عزّوجلّ وإلى رسول الله وانصرفت.
قال: فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول الله في زوجها وما شكت إليه وأنزل الله في ذلك قرآناً: (بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) - إلى قوله - (وإنّ الله لعفو غفور).
قال فبعث رسول الله إلى المرأة، فأتته فقال لها: جيئي بزوجك، فأتته فقال له: أقلت لامرأتك هذه: أنتِ حرام عليّ كظهر اُمّي؟ فقال: قد قلت لها ذلك.
فقال له رسول الله قد أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفي امرأتك قرآناً وقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم، قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) - إلى قوله تعالى - (إنّ الله لعفو غفور)، فضمّ إليك امرأتك فإنّك قد قلت منكراً من القول وزوراً، وقد عفى الله عنك وغفر لك ولا تعد.
قال: فانصرف الرجل وهو نادم على ما قاله لامرأته، وكره الله عزّوجلّ ذلك للمؤمنين بعد وأنزل الله: (والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا) يعني ما قال الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر اُمّي.
قال: فمن قالها بعد ما عفى الله وغفر للرجل الأوّل فإنّ عليه "تحرير رقبة من قبل أن يتماسّا - يعني مجامعتها - ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً، قال: فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا.
ثمّ قال: "ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله" قال: هذا حدّ الظهار"(1).
وكما قلنا فإنّ كثيراً من المفسّرين ذكروا لها هذا السبب للنزول، ومن جملتهم القرطبي، وروح البيان، وروح المعاني، والميزان، والفخر الرازي، وفي ظلال القرآن، وأبو الفتوح الرازي وكنز العرفان، وكثير من كتب الحديث والتاريخ مع وجود إختلافات.
التّفسير:
الظهار عمل جاهلي قبيح:
بالنظر إلى ما قيل في سبب النزول، وكذلك طبيعة الموضوعات التي وردت في السورة، فإنّ الآيات الاُولى منها واضحة في دلالتها حيث يقول سبحانه: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها).
"تجادل" من المجادلة مأخوذة من مادّة (جدل) وتعني في الأصل (فتل الحبل) ولأنّ الجدال بين الطرفين وإصرار كلّ منهما على رأيه في محاولة لإقناع صاحبه، اُطلق على هذا المعنى لفظ (المجادلة).
ثمّ يضيف تعالى: (وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما).
"تحاور" من مادّة (حور) على وزن (غور) بمعنى المراجعة في الحديث أو الفكر، وتطلق كلمة "المحاورة" على بحث بين طرفين.
(إنّ الله سميع بصير) نعم إنّ الله عالم بكلّ المسموعات والمرئيات، بدون أن يحتاج إلى حواس نظر أو سمع، لأنّه حاضر وناظر في كلّ مكان، يرى كلّ شيء ويسمع كلّ حديث.
﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ وهي خولة بنت ثعلبة ﴿فِي زَوْجِهَا﴾ أوس بن الصامت ظاهر منها فاستفتت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنزلت ﴿وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ شدة حالها ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ تراجعكما ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ للأقوال ﴿بَصِيرٌ﴾ بالأحوال.