والعجيب أنّ المنافقين لا يتخلّون عن نفاقهم حتّى في يوم القيامة أيضاً، كما يوضّح الله سبحانه ذلك في قوله: (يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم)(7).
إنّ يوم القيامة يوم تتجلّى فيه الأعمال، وحقيقة الإنسان التي كان عليها في الدنيا، ولأنّ المنافقين أخذوا هذه الحالة النفسية معهم إلى القبر والبرزخ، فإنّها ستتضح يوم القيامة أيضاً، ومع علمهم بأنّ الله سبحانه لا يخفى عليه شيء وأنّه علاّم الغيوب، إلاّ أنّهم - إنسجاماً مع سلوكهم المعهود - فإنّهم يحلفون أمام الله حلفاً كاذباً.
وطبيعي أنّ هذا لا يتنافى مع إعترافهم وإقرارهم بذنوبهم في بعض محاضر محكمة العدل الإلهي، لأنّ في يوم القيامة محطّات ومواقف مختلفة وفي كلّ واحدة منها برنامج.
ثمّ يضيف عزّوجلّ أنّهم بهذا اليمين الكاذب يظنّون أنّه بإمكانهم كسب منفعة أو دفع ضرر: (ويحسبون أنّهم على شيء).
إنّ هذا التصور الواهي ليس أكثر من خيال، إلاّ أنّ تطبّعهم على هذه الأساليب في الدنيا وتخلّصهم ممّا يحدق بهم من أخطار بواسطة الأيمان الكاذبة ونيل بعض المنافع الدنيوية لأنفسهم، وبذلك فإنّهم يحملون هذه الملكات السيّئة معهم إلى هناك، حيث تفصح عن حقيقتها.
وأخيراً تنتهي الآية بهذه الجملة: (ألا إنّهم هم الكاذبون).
ويمكن أن يكون التصريح مرتبطاً بالدنيا، أو القيامة، أو كليهما، وبهذه الصورة سيفتضح.
( يَوْمَ﴾ ظرف تغني أو مقدر باذكر ﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ أنهم مؤمنون ﴿كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ في الدنيا على ذلك ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ من النفع بحلفهم ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ حيث يحلفون عليه.