وفي آخر آية مورد البحث يبيّن الباري عزّوجلّ المصير النهائي للمنافقين العمي القلوب بقوله تعالى: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله اُولئك حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون).
"استحوذ" من مادّة (حوذ) على وزن (موز) في الأصل بمعنى الجزء الخلفي لفخذ البعير، ولأنّ أصحاب الإبل عندما يسوقون جمالهم يضربونها على أفخاذها، فقد جاء هذا المصطلح بمعنى التسلّط أو السوق بسرعة.
نعم، إنّ المنافقين المغرورين بأموالهم ومقامهم، ليس لهم مصير سوى أن يكونوا تحت سيطرة الشيطان وإختياره ووساوسه بصورة تامّة، وينسون الله بصورة كليّة، إنّهم ليسوا منحرفين فحسب، بل إنّهم في زمرة الشيطان وهم أنصاره وحزبه وجيشه في إضلال الآخرين.
يقول الإمام علي (ع) في بداية وقوع الفتن والخلافات "أيّها الناس، إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولّى فيها رجال رجالا، فلو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أنّ الحقّ خلص لم يكن إختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معاً، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى"(8).
كما يلاحظ نفس هذا التعبير في كلام الإمام الحسين (ع) عندما شاهد صفوف أهل الكوفة بكربلاء كالليل المظلم والسيل العارم أمامه، حيث قال: "فنعم الربّ ربّنا وبئس العباد، أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرّسول محمّد ثمّ أنّكم رجعتم إلى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ثمّ أضاف (ع): فتبّاً الموت لكم ولما تريدون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون"(9).
وسنتطرّق إلى بحث تفصيلي حول حزب الشيطان وحزب الله، في نهاية الآيات اللاحقة إن شاء الله.
﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ استولى ﴿فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ أتباعه ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ باستبدالهم بالجنة النار.